Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 45-51)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { فألقى موسى عصاه } من يده ، { فإِذا هي تلقفُ } أي : تبتلع بسرعة { ما يأفكون } : ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم ، ويزورونه ، فيُخيِّلون في حبالهم وعصيّهم أنها حيات تسعى ، { فأُلقي السحرةُ ساجدين } لما شاهدوا ذلك من غير تلعْثم ولا تردد ، غير متمالكين لأنفسهم لعلمهم بأن ذلك خارج عن حدود السحر ، وأنه أمر إلهي ، يدل على تصديق موسى عليه السلام . وعَبَّر عن الخرور بالإلقاء بطريق المشاكلة لقوله : { ألقو ما أنتم ملقون } ، فألقى ، فلما خروا سجوداً ، { قالوا آمنا بربِّ العالمين } ، قال عكرمة : أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء . هـ . { ربِّ موسى وهارون } : عطف بيان ، أو : بدل من { رب العالمين } . فدفع توهم إرادة فرعون لأنه كان يدعي الربوبية ، فأرادوا أن يعزلوه منها . وقيل : إن فرعون لما سمع منهم : { آمنا برب العالمين } ، قال : إياي عنيتم ؟ قالوا : { ربِّ موسى وهارون } . { قال آمنتم له قبل أنْ آذنَ لكم } أي : بغير إذن لكم ، كما في قوله تعالى : { قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } [ الكهف : 109 ] ، لا أن الإذن منه ممكن أو متوقع ، { إنه لكبيرُكم الذي علّمكم السحرَ } فتواطأتم على ما فعلتم مكراً وحيلة . أراد بذلك التلبيس على قومه لئلا يعتقدوا أنهم آمنوا على بصيرة وظهور حق . ثم هَدَّدَهُم بقوله : { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ } ، يداً من جهة ورجلاً من أخرى ، أو : من أجل خلافٍ ظهر منكم ، { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } قيل : إنه فعل ذلك ، ورُوي عن ابن عباس وغيره ، وقيل : إنه لم يقدر على ذلك ، لقوله تعالى : { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } [ القصص : 35 ] . { قالوا } أي : السحرة : { لا ضَيْرَ } أي : لا ضرر علينا في ذلك ، فحذف خبر " لا " ، { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا } الذي عرفناه وواليناه { منقلبون } لا إليك ، فيُكرم مثوانا ويُكفر خطايانا ، أو : لا ضرر علينا توعدتنا به إذ لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بالموت ، فلأن يكون في ذاته وسبب دينه أولى ، قال الورتجبي : لَمَّا عاينوا مشاهدة الحق سَهُلَ عليهم البلاء ، لا سيما أنهم يطمعون أن يصلوا إليه ، بنعت الرضا والغفران . هـ . ولذلك قالوا : { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا } أي : لأن كنا { أَوَّلَ المؤمنين } من أهل المشهد ، أو : من أَتْبَاعِ فرعون . الإشارة : من شأن خواص الملك ألا يفعلوا شيئاً إلا بإذنٍ من ملكهم ، ولذلك أنكر فرعونُ على السحرة المبادرة إلى الإيمان قبل إذنه ، وبه أخذت الصوفية الكبار والفقراء مع أشياخهم ، فلا يفعلون فعلاً حتى يستأذنوا فيه الحق تعالى والمشايخ ، وللإذن سر كبير ، لا يفهمه إلا من ذاق سره . وتقدم بقية الإشارة في سورة الأعراف . والله تعالى أعلم . ثم ذكر خورج موسى من مصر وتوجهه نحو البحر ، فقال : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ … }