Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 54-58)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : ولوط : عطف على صالحا داخل معه في القسم ، أي : ولقد أرسلنا صالحاً ولوطاً . وإذ قال : ظرف للإرسال ، أو : منصوب باذكر ، وإذ قال : بدل من لوط . يقول الحق جل جلاله : { و } لقد أرسلنا { لوطاً } ، أو : واذكر لوطاً { إِذْ قال لقومه } أي : وقت قوله لهم : { أتأتونَ الفاحشةَ } أي : الفعلة المتناهية في الفُحش والسماجة ، { وأنتم تبصرون } أي : الحالة أنكم تعلمون علماً يقينياً أنها فاحشة ، لم تُسبَقوا إليها . والجملة الحالية تفيد تأكيد الإنكار ، فإنَّ تعاطيَ القبيح من العالم بقُبحه أقبح وأشنع ، ولذلك ورد في الخبر : " أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامةِ عَالِمٌ لم ينْفَعْهُ الله بعلْمِه " . وقال الفخر : لا تصدر المعصية من العالم قط وهو عالم ، وحين صدورها منه هو جاهل لأنه رجح المرجوح وترجيح المرجوح جهل ، ولذلك قال : { بل أنتم قوم تجهلون } . هـ . وفي الحديث : " لا يَزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " إذ لو صدّق بإطلاع الحق عليه ما قدر على الزنى ، لكنه جهل ذلك . و { تُبصرون } ، من : بصر القلب . وقيل : يُبصر بعضُكم بعضاً لأنهم كانوا يرتكبونها في ناديهم ، معلنين بها ، لا يستتر بعضهم من بعض ، مَجانةً وانهماكاً في المعصية ، أو : تُبصرون آثار العصاة قبلكم ، وما نزل بهم . { أئنكم لتَأْتون الرجالَ شهوةً } أي : للشهوة { من دون النساء } أي : إن الله تعالى إنما خلق الأنثى للذكر ، ولم يخلق الذكر للذكر ، ولا الأنثى للأنثى ، فهي مضادة للهِ تعالى في حكمته ، فلذلك كانت أشنع المعاصي ، { بل أنتم قوم تجهلون } تفعلون فعل الجاهلين بقُبحها ، أو : تجهلون العاقبة . أو : بمعنى السفاهة والمجون ، أي : بل أنتم سُفهاء ماجنون . والتاء فيه - مع كونه صفة لقوم لكونهم في حيز الخطاب . وكذا قوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } [ النمل : 47 ] ، غلّب الخطاب على الغيبة . قال ابن عرفة : " بل " للانتقال ، والانتقال في باب الذم إنما يكون عن أمر خفيف إلى ما هو أشد منه ، وتقرير الأشدّية هنا : أن المضروب عنه راجع للقوة الحسية العملية ، وهي منقطعة تنقضي بانقضاء ذلك الفعل والثاني راجع للقوة العلمية وهي دائمة لأن العلم بالشيء دائم ، والعمل به منقطع غير دائم . هـ . { فما كان جوابَ قومه } حين نهاهم عن تلك الفاحشة ودعاهم إلى الله ، { إلا أن قالوا أَخْرِجوا آلَ لوط } أي : لوطاً ومتبعيه { من قريتكم إنهم أُناس يتطهرون } يتنزهون عن أفعالنا ، أو : عن القاذورات ، ويعدون فعلنا قذراً . وعن ابن عباس : إنه استهزاء ، كقوله : { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } [ هود : 87 ] . { فأنجيناه } : فخلّصناه من العذاب الواقع بالقوم ، { وأهلَه إلا امرأتَه قدرناها } بالتشديد والتخفيف ، أي : قدرنا أنها { من الغابرين } الباقين في العذاب . { وأمطرنا عليهم مطراً } غير معهود حجارة مكتوب عليها اسم صاحبها ، { فساءَ } : قَبُحَ { مطرُ المنذَرِينَ } الذين لم يقبلوا الإنذار . وقد مرّ كيفية ما جرى بهم غير مرة . والله تعالى أعلم . الإشارة : ما أنكر لوط على قومه إلا غلبة الشهوة على قلوبهم ، والانهماك في غفلتهم ، فرجعت إلى معصية القلوب ، وهي أشد من معصية الجوارح لأن معصية الجوارح إذا صحبتها التوبة والانكسار ، عادت طاعة ، بخلاف معصية القلوب فإنها تنطمس بها أنوار الغيوب ، فلا يزيد صاحبها إلا البُعد والطرد . والعياذ بالله . ثم أمر رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتحميد ، ثم السلام على عباده المرسلين توطئة لما يتلوه من دلالة على وحدانيته تعالى وقدرته على كل شيء ، وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال ، بأن يبتدئ في خطبته بحمد الله والثناء على رسله ، فقال : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ … }