Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 59-60)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : لنبيه - عليه الصلاة والسلام - : { قل الحمدُ لله } على ما أنعم به عليك من فنون النعم ، ومن جملتها : اطلاعك على أسرار علم غيوبه ، { وسلامٌ على عباده الذين اصطفى } لرسالته . وقال ابن عباس وسفيان : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، اصطفاهم بصحبته - عليه الصلاة والسلام - وقال الكلبي : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، اصطفاهم الله لمعرفته وطاعته . ثم قل لهم إلزاماً للحجة : { الله خير أما تشركون } أي : آلله الذي ذكرت شؤونه العظيمة خير ، أم ما تشركونه معه تعالى من الأصنام ؟ ومرجع الترديد إلى التعرض بتبكيت الكفرة ، وتسفيه آرائهم الركيكة ، والتهكم بهم ، إذ من البيِّن أن ليس فيما أشركوه به تعالى شائبة خير ، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من لا خير إلا خيره ، ولا إله غيره . وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال : " بلِ الله خيْرٌ ، وأَبْقَى ، وأجلُّ ، وأكْرَم " . ثم عدَّد سبحانه الخيرات والمنافع ، الدالة على انفراده بالخيرية ، فقال : { أمّن خَلَق السماواتِ والأرضَ } ، " أم " هنا : منقطعة ، بخلاف { أمَّا تشكرون } أي : بل أمّن خلق العالم العلوي والسفلي ، وأفاض من كل واحد ما يليق به من الخيرات ، خير ، أم جماد لا يقدر على شيء ؟ فمن : مبتدأ ، وخبرها : محذوف مع " أم " المعادلة للهمزة ، كما قررنا . { وأنزل لكم من السماء ماءً } . مطراً { فأنبتنا } ، التفت من الغيبة إلى التكلم تأكيداً لمعنى اختصاص الفعل به تعالى ، وإيذاناً بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان ، والطعوم والأشكال ، مع بهجتها ، بماء واحد ، لا يقدر عليه غيره ، أي : فأخرجنا { به حدائقَ } : بساتين ، فالحديقة : بستان عليه حائط ، من : الإحداق ، وهو الإحاطة ، { ذاتَ بهجةٍ } أي : ذات حُسن ورونق ، تبتهج به النظار ، ولم يقل : ذوات : لأن المعنى : جماعة حدائق ، كما تقول : النساء ذهبت . { ما كان لكم } ما صح وما أمكن لكم { أن تُنبتوا شجرها } فضلاً عن ثِمارها وسائر صفاتها البديعة المبهجة ، { أَإِلهٌ مع الله } ؟ أي : أإله كائن مع الله ، الذي ذكرت أفعاله ، التي لا يقدر عليها غيره ، حتى يُتوهم جعله شريكاً له تعالى في العبادة ؟ أو : أإله مع الله يفعل ذلك ؟ { بل هم قوم يَعْدِلون } : بل هم قوم عادتهم العدول عن طريق الحق بالكلية ، والانحراف عن الاستقامة في كل أمر من الأمور ، فلذلك يفعلون ما يفعلون من الإشراك والجرائم ، أو : يعدلون به غيره فيُشركونه معه . والله تعالى أعلم . الإشارة : قل الحمد لله ، الذي كشف الحجب عن قلوب أوليائه ، وسلام على عباده الذين اصطفاهم لحضرته ، آلله خير ، أي : أشهود الله وحده في الوجود خير ، أم شهود الغير معه ؟ ، فتشركون في توحيدكم . أمن خلق سموات أرواحكم ، وهيأها لشهود الربوبية ، وخلق أرض نفوسكم ، وهيأها لآداب العبودية ، وأنزل لكم من سماء الغيوب ماء الواردات الإلهية ، فأنبتنا به في قلوب العارفين بساتين المعرفة ، ذات بهجة ونزهة ؟ ما كان لكم ، وفي طوقكم ، أن تُنبتوا في قلوبكم شجر المعرفة ، ولا ثمار المحبة ، أإله مع الله يمنّ عليكم بذلك ؟ . بل هم قوم يعدلون عن طريق الوصول إلى هذه البساتين البهية لأنها محفوفة بالمكاره النفسية ، لا يقدر على سلوكها إلا الشجعان ، أهل الهمم العلية . وبالله التوفيق . ثم ذكر نوعاً آخر من دلائل توحيده ، فقال : { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً … }