Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 7-11)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : واذكر { إِذْ قال موسى لأهله } زوجته ومن معه ، عند مسيره من مدْين إلى مصر : { إِني آنستُ } أي : أبصرتُ { ناراً سآتيكم منها بخَبَرٍ } عن حال طريق التي ضل عنها . والسين للدلالة على نوع بُعد في المسافة ، وتأكيد الوعد . { آو آتيكم بشهابٍ قبَسٍ } أي : شعلة نار مقبوسة ، أي مأخوذة . ومن نوّن فبدل ، أو صفة ، وعلى القراءتين فالمراد : تعيين المقصود الذي هو القبس ، الجامع لمنفعتي الضياء والاصطلاء لأن من النار ما ليس بقبس ، كالجمرة . وكلتا العِدتين منه عليه السلام بطريق الظن ، كما يُفصح عن ذلك ما في سورة طه ، من صيغتي الترجي والترديد لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول : سأفعل كذا ، وسيكون كذا ، مع تجويزه التخلف . وأتى بأو لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه معاً لم يعدم واحدة منهما ، إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ، ولم يدر أنه ظافر بحاجته الكبرى ، وهي عزّ الدنيا والآخرة . واختلاف الألفاظ في هاتين السورتين ، والقصة واحدة ، دليل على نقل الحديث بالمعنى ، وجواز النكاح بغير لفظ النكاح والتزويج . قاله النسفي . { لعلكم تَصْطَلُون } تستدفئون بالنار من البرد إذا أصابكم . { فلما جاءها } أي : النار التي أبصرها { نُودِيَ } من جانب الطور { أن بُورِكَ } ، على أنّ " أنْ " مفسرة لما في النداء من معنى القول . أو : بأن بورك ، على أنها مصدرية ، وقيل : مخففة ، ولا ضرر في فُقدان الفصل بـ " لا " ، أو قد ، أو السين ، أو سوف لأن الدعاء يخالف غيره في كثير من الأحكام ، أي : أنه ، أي : الأمر والشأن { بُورِكَ } أي : قدّس ، أو : جعل فيه البركة والخير ، { مَن في النار ومَنْ حولها } أي : من في مكان النار ، وهم الملائكة ، { ومَنْ حولها } أي : موسى عليه السلام ، بإنزال الوحي عليه ، الذي فيه خير الدنيا والآخرة . وقال ابن عباس والحسن : بورك من في النار أي : قُدِّس من في النار ، وهو الله تعالى أي : نوره وسره ، الذي قامت به الأشياء ، من باب قيام المعاني بالأواني ، أو : من قيام أسرار الذات بالأشياء ، بمعنى أنه نادى موسى منها وسمع كلامه من جهتها ، ثم نزّه - سبحانه - ذاته المقدسة عن الحلول والاتحاد ، فقال : { وسبحان اللهِ } أي : تنزيهاً له عن الحلول في شيء ، وهو { ربّ العالمين } . ثم فسر نداءه ، فقال : { يا موسى إنه } أي : الأمر والشأن { أنا الله العزيزُ الحكيم } أو : إنه ، أي : مكلمك ، الله العزيز الحكيم ، وهو تمهيد لِما أراد أن يظهر على يديه من المعجزات . { وألقِ عصاك } لتعلم معجزتها ، فتأنس بها ، وهو عطف على بُورك أي : نودي أن بورك وأنْ ألق عصاك . والمعنى : قيل له : بورك من في النار ، وقيل له : أَلقِ عصاك ، { فلما رآها تهتزُّ } تتحرك يميناً وشمالاً ، { كأنها جانٌّ } حية صغيرة { وَلَّى } موسى { مُدْبِراً } أي : أدبر عنها ، وجعلها تلي ظهره ، خوفاً من وثوب الحية عليه ، { ولم يُعقِّبْ } لم يرجع على عقبيه ، من : عقّب المقاتل : إذا كرّ بعد الفر . والخوف من الشيء المكروه أمر طبيعي ، لا يتخلف ، وليس في طوق البشر . قال له تعالى : { يا موسى لا تخفْ } من غيري ، ثقة بي ، أو : لا تخف مطلقاً { إني لايخاف لَدَيَّ المرسلون } أي : لا يخاف المرسلون عند خطابي إياهم ، فإنهم مستغرقون في شهود الحق ، لا يخطر ببالهم خوف ولا غيره . وأما في غير أحوال الوحي فهم أشد الناس خوفاً منه سبحانه ، أو : لا يخافون من غيري ، لأنهم لديَّ في حفظي ورعايتي . { إلا من ظَلَمَ } أي : لكن من ظلَم مِن غيرهم لأن الأنبياء لا يَظلمون قط ، فهو استثناء منقطع ، استدرك به ما عسى يختلج في العقل ، من نفي الخوف عن كلهم ، مع أن منهم من فرطت منه صغيرة مما يجوز صدوره عن الأنبياء - عليهم السلام - كما فرط من آدم ، وموسى ، وداود ، وسليمان - عليهم السلام - فحسنات الأبرار سيئات المقربين . وقد قصد به التعريض بما وقع من موسى - عليه السلام - ومن وكزه القبطيّ . وسماها ظلماً ، كقوله عليه السلام في سورة القصص : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ } [ القصص : 16 ] . قال في الحاشية الفاسية : والظاهر في الاستثناء كونه متصلاً ، وأطلق الظلم باعتبار منصب النبوة ، وإشفاقهم مما لا يشفق منه غيرهم ، كما اتفق لموسى في مدافعة القبطي عن الإسرائيلي ، مع أن إغاثة المظلوم مشروعة عموماً ، ولكن لَمَّا لم يُؤذَن له خصوصاً عُد ذلك ظلماً وذنباً . وأما ما سرى من القتل فلم يقصده ، وإنما اتفق من غير قصد . هـ . قوله : { ثم بدّلَ حُسْناً بعد سُوءٍ } أي : أتبع زلته حسنة محلها ، كالتوبة وشبهها ، { فإني غفور رحيمٌ } أقبل توبته ، وأغفر حوبته ، وأرحمه ، فأحقق أمنيَّته . والله تعالى أعلم . الإشارة : تقدم بعض إشارة الآية في سورة طه . وقوله تعالى : { أن بورك من في النار … } تقدم قول ابن عباس وغيره : أن المراد بمن في النار : نور الحق تعالى . قال بعض العلماء : كانت النار نوره تعالى ، وإنما ذكره بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً ، والعرب تضع أحدهما موضع الآخر . هـ . ومنه حديث : " حجُابه النار ، لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه كلَّ شيء أدركه بصره " ، أي : حجابه النور الذي تجلى به في مظاهر خلقه ، فالأواني حجب للمعاني ، والمعاني هي أنوارالملكوت ، الساترة لأسرار الجبروت ، السارية في الأشياء . وقال سعيد بن جبير : هي النار بعينها ، وهي إحدى حجب الله تعالى . ثم استدل بالحديث : " حجابة النار " ومعنى كلامه : أن الله تعالى احتجت في مظاهر تجلياته ، وهي كثيرة ، ومن جملتها النار ، فهي إحدى الحجب التي احتجب الحق تعالى بها ، وإليه أشار ابن وفا بقوله @ هو النورُ المحيط بكل كَون @@ ولا يفهم هذا إلا أهل الفناء في الذات ، العارفون بالله ، وحسب من لم يبلغ مقامهم التسليم لِما رمزوا إليه ، وإلا وقع الإنكار على أولياء الله بالجهل ، والعياذ بالله . ثم ذكر معجزة اليد ، فقال : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ … }