Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 91-93)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : قل لكفار قريش ، بعد تبيين أحوال المبعث ، وشرح أحوال القيامة ، بما لا مزيد عليه : { إنما أُمرتُ أن أعبدَ ربَّ هذه البلدة } أي : مكة ، أي : إنما أمرني ربي أن أعبده ، وأستغرق أوقاتي في مراقبته ومشاهدته ، غير مبالٍ بكم ، ضللتم أم رشِدتم ، وما عليّ إلا البلاغ ، وقد بلغتكم وأنذرتكم . وتخصيص مكة بالإضافة لتفخيم شأنها وإجلال مكانها ، { الذي حَرَّمها } أي : جعلها حرماً آمناً ، يأمن الملتجأ إليها ، ولا يختلي خلاها ، ولا يعضد شوكها ، ولا ينفّر صيدها . والتعرض لبيان تحريمه إياها تشريف لها بعد تشريف ، وتعظيم إثر تعظيم ، مع ما فيه من الإشعار بعلة الأمر بعبادة ربها ، وأنهم مُكلفون بذلك ، كما في قوله تعالى : { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 3 ، 4 ] . ومن الإشارة إلى غاية شناعة ما فعلوا فيها ، ألا يُرى أنهم مع كونها محرمة أن تنتهك حرمتها ، ويلحد فيها بإثم ، قد استمروا فيها على تعاطي أفجر الفجور ، وأشنع الإلحاد ، حيث تركوا عبادة ربها ، ونصبوا الأوثان ، وعكفوا على عبادتها ، قاتلهم الله أنَّى يؤفكون . قاله أبو السعود . ثم قال تعالى : { وله كلُّ شيء } خلقاً وملكاً وتصرفاً ، من غير ان يشاركه أحد في شيء من ذلك ، تحقيقاً للحق ، وتنبيهاً على إن إفراد مكة بالإضافة لما ذكر من التفخيم والتشريف ، مع عموم الربوبية لجميع الموجودات . { وأُمرتُ أن أكون من المسلمين } المنقادين له ، الثابتين على ما كنا عليه ، من ملة الإسلام والتوحيد . الذين أسلموا وجوهم له تعالى ، وانقادوا إليه بالكلية . { وإن أتلوَ القرآن } أي : أُواظب على تلاوته لتنكشف حقائقه الرائقة المخزونة في تضاعيفه شيئاً فشيئاً . أو : على تلاوته على الناس بطريق تكرير الدعوة ، وتثنية الإرشاد ، فيكون ذلك تنبيهاً على كفايته في الهداية والإرشاد ، من غير حاجة إلى إظهار معجزة أخرى . { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } أي : فمن اهتدى بالإيمان به ، والعمل بما فيه من الشرائع والأحكام ، فإنما منافع هدايته عائدة إليه ، لا إلى غيره . { ومن ضلّ } بالكفر به ، والإعراض عن العمل بما فيه { فقلْ } في حقه : { إنما أنا من المنذرينَ } وقد خرجتُ من عهدة الإنذار ، فليس عليَّ من وبال ضلالته شيء . قال الصفاقسي : جواب " من " : محذوف ، يدل عليه ما قبله ، أي : فوبال ضلاله عليه ، أو : يكون الجواب : " فقل " ، ويقدر ضمير عائد من الجواب إلى الشرط لأنه اسم غير ظرف ، أي : من المنذرين له . هـ . { وقل الحمدُ لله } على ما أفاض عليّ من نعمائه ، التي أجلُها نعمة النبوة ، المستتبعة لفنون النعم الدينية والدنيوية ، ووفقني لتحمل أعبائها ، وتبليغ أحكامها إلى كافة الورى ، بالآيات البينة والبراهين النيرة ، { سيُريكُم آياته } قطعاً في الدنيا ، التي وعدكم بها ، كخروج الدابة وسائر الأشراط ، { فتعرفونها } أي : فتعرفون أنها آيات الله ، حين لا تنفعكم المعرفة ، أو : سيضطركم إلى معرفة آياته ، والإقرار بأنها آيات الله حين ظهورها ، { وما ربك بغافل عما تعملون } ، بل محيط بعمل المهتدي والضال ، غير غافل ، فيجازي كلاًّ بما يستحقه . وتخصيص الخطاب أولاً به - عليه الصلاة والسلام - وتعميمه ثانياً للكفرة تغليباً ، أي : وما ربك بغافل عما تعمل أنت من الحسنات وما تعملون أنتم - أيها الكفرة - من السيئات ، فيجازي كلاً بعمله . ومن قرأ بالغيب فهو وعيد محض ، أي : وما ربك بغافل عن أعمالهم ، فسيعذبهم ألبتة ، فلا يحسبوا أن تأخير عذابهم لغفلته تعالى عن أعمالهم ، بل يمهل ولا يهمل . والله تعالى أعلم . الإشارة : إذا فرغ الواعظ من وعظه وتذكيره ، أو : العالم من تدريسه وتعليمه ، أقبل على عبادة ربه ، إما عبادة الجوارح الظاهرة ، من صلاة وذكر وتلاوة ، أو عبادة القلوب ، كتفكر واعتبار ، أو استخراج علوم وحكم ودُرر . وإما عبادة الأرواح ، كنظرة وفكرة وشهود واستبصار . وهذه عبادة الفحول من الرجال ، فمن اهتدى إليها فلنفسه ، ومن ضل عنها فقل إنما أنا من المنذرين . والحمد لله رب العالمين - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً .