Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 44-46)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { وما كنتَ } يا محمد { بجانب } المكان { الغربي } من الطور ، وهو الذي كلم الله فيه موسى ، وهو الجانب الأيمن . قال السهيلي : إذا استقبلت القبلة ، وأنت بالشام ، كان الجبل يميناً منك ، غربياً ، غير أنه قال في قصة موسى : { جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ } [ مريم : 52 - وطه : 80 ] ، وصفه بالصفة المشتقة من اليُمن والبركة ، لتكليمه إياه فيه ، وحين نفى عن محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون بذلك الجانب ، قال : { وما كنت بجانب الغربي } ، والغربي هو الأيمن . والعدول عنه ، في حالة النفي للاحتراس من توهم نفي اليمن عنه صلى الله عليه وسلم ، وكيف ، وهو صلى الله عليه وسلم لم يزل بصفة اليُمن وآدم بين الماء والطين ! فحسنُ اللفظِ أصل في البلاغة ، ومجانبة الاشتراك الموهم : من فصيحِ بديعِ الفصاحة . هـ . أي : وما كانت حاضراً بذلك الموضع ، { إِذْ قَضَينا إلى موسى الأمرَ } ، أي : كلمناه وقربناه نجياً ، وأوحينا إليه بالرسالة إلى فرعون ، { وما كنتَ من الشاهدين } ، أي : من جملة الشاهدين فتخبر بذلك ، ولكن أعلمناك من طريق الوحي ، بعد أن لم يكن لك بذلك شعور ، والمراد : الدلالة على أن إخباره بذلك من قِبَلِ الإخبار بالمغيبات التي لا تُعرف إلا بالوحي ، ولذلك استدرك عنه بقوله : { ولكنَّا أنشأنا } بعد موسى { قروناً فتطاولَ عليهم العُمُرُ } ، أي : طالت أعمارهم ، وفترت النبوة ، وانقطعت الأخبار ، واندرست العلوم ، ووقع التحريف في كثير منها ، فأرسلناك مُجَدِّداً لتلك الأخبار ، مبيناً ما وقع فيها من التحريف ، وأعطيناك العلم بقصص الأنبياء ، وأوقفناك على قصة موسى بتمامها ، فكأنه قال : وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه ، ولكنا أوحيناه إليك ، فأخبرت به ، بعد اندراسه . { ومَا كنتَ ثاوياً } مقيماً { في أهل مدين } ، وهم شعيب والمؤمنون به ، { تتلو عليهم آياتنا } تقرؤها عليهم ، تعلماً منهم ، أو : رسولاً إليهم تتلوها عليهم بوحينا ، كما تلوتها على هؤلاء ، يريد : الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه ، { ولكنّا كنّا مُرسِلينِ } لك ، فأخبرناك بها ، وعلَّمناك إياها ، فأخبرت هؤلاء بها ، { وما كنت بجانب الطور إِذ نادينا } موسى ، أن خذ الكتاب بقوة ، أو ناجيناه في أيام الميقات ، { ولكن } علمناك وأرسلناك { رحمةً } أي : للرحمة { من ربك لتُنذر قوماً } جاهلية { وما أتاهم من نذير من قبلك } في زمان الفترة التي بينك وبين عيسى ، وهي خمسمائة وخمسون سنة ، أو : بينك وبين إسماعيل ، على أن دعوة موسى وعيسى كانت مختصة ببني إسرائيل وما حواليهم ، { لعلهم يتذكرون } لعل من أُرْسِلْتَ إليه يتعظ ويتذكر ما هو فيه من الضلال ، فينزعُ ويرجع . وبالله التوفيق . الإشارة : المراد من هذه الآيات : تحقيق نبوته صلى الله عليه وسلم ومعرفته الخاصة ، وهي سُلَّم ، ومعراج إلى معرفة الله تعالى لأنه الواسطة العظمى ، فمهما عرفته المعرفة الخاصة عرفت الله تعالى ، فمنه صلى الله عليه وسلم استمدت العلوم كلها علم الربوبية ، من طريق البرهان ، وعلمها من طريق العيان ، وعلم المعاملة الموصلة إلى الرضا والرضوان ، ومعرفة نبوته صلى الله عليه وسلم ضرورية لا تحتاج إلى برهان ، ويرحم الله القائل : @ لَوْ لَمْ تَكُنْ فيه آيات مُبيِّنَة لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ @@ وقد تقدم في الأعراف التنويه به ، وذكر شرفه ، وشرف أمته ، قبل ظهوره ، وإليه الإشارة هنا بقوله : { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } أي : إذ نادينا بأمرك وأخبرنا بنبوتك ، رُوي عن أبي هريرة أنه نُودي يومئذٍ من السماء : يَا أُمَةُ مُحَمّدٍ ، استجبتُ لَكُم قَبْلَ أَنْ تَدْعُوني ، وَغَفَرْتُ لَكُمْ قَبْلَ أنْ تَسألونِي ، فحينئذٍ قال موسى - عليه السلام : اللهم اجعلني من أمة محمد . هـ . وقال القشيري : أي : لم تكن حاضراً تتعلم ذلك مشاهدةً ، فليس إلا تعريفنا إياك ، وإطلاعنا لَكَ على ذلك . ويقال : إذ نادينا موسى ، وخاطبناه ، وكلمناه في بابك وباب أُمَّتِكَ ، وما طلب موسى لأمته جعلناه لأمتك ، فكوْني لكم : خيرٌ لكم من كونِكم لكم فلم تقدح فيكم غَيْبَتَكُمْ في الحال ، كما أنشدوا : @ كُـنْ لِـي كَمَـا كُنْـتَ لـي فـي حيـن لـمْ أَكُـنِ @@ ويقال : لما خاطب موسى وكلمه ، سأله موسى ، إنه رأى في التوراة أمة صفتهم كذا وكذا ، من هم ؟ فقال : هم أمة محمد . وذكر لموسى أوصافاً كثيرة ، فاشتاق إلى لقائهم ، فقال له : ليس اليوم وقت حضورهم فإن شئت أسمعناك كلامهم ، فأراد ذلك ، فنادى : يا أُمة محمد فأجاب الكل من أصلاب آبائهم ، فسمع موسى كلامهم ، ثم لم يتركهم كذلك ، بل زادهم من الفضائل لأن الغني إذا دعا فقيراً فأجابه لم يرض أن يذكره من غير إحسانه . هـ . وقال الطبري : معنى قوله : { إذ نادينا } أي : بقوله : { سأكتبها للذين يتقون … } الآية . هـ . والله تعالى أعلم . ثم ذكر حكمة إرساله ، فقال : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ … }