Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 47-50)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : لولا الأولى : امتناعية ، وجوابها محذوف ، اي : ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا على ما قدّموا من الشرك محتجين علينا : هلا أرسلت إلينا رسولاً … إلخ لَمَا أرسلناك . يقول الحق جل جلاله : { ولولا أن تصيبهم مصيبة } ، أي : عقوبة في الدنيا والآخرة ، { بما } بسبب ما { قدمت أيديهم } من الكفر والظلم ، ولمّا كانت أكثر الأعمال إنما تناول بالأيدي ، نسب الأعمال إلى الأيدي ، وإن كانت من أعمال القلوب تغليباً للأكثر على الأقل ، { فيقولوا } عند نزول العذاب : { ربنا لولا } هلا { أرسلت إلينا رسولاً } يُنذرنا { فنتَّبع آياتك ونكونَ من المؤمنين } ، فلولا احتجاجهم بذلك علينا لَمَا أرسلناك ، فسبب الإرسال هو قولهم : هلا أرسلت … إلخ . ولما كانت العقوبة سبباً للقول جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال ، فدخلت " لولا " الامتناعية عليها ، فرجع المعنى إلى قولك : ولولا قولهم هذا ، إذا أصابتهم مصيبة ، لما أرسلناك . { فَلَمَّا جاءهم الحق من عندنا } القرآن المعجز ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، { قالوا } أي : كفار مكة اقتراحاً وتعنتاً : { لولا } : هلا { أُوتي } من المعجزات { مثل ما أُوتي } أُعطي { موسى } من اليد والعصا ، ومن الكتاب المنزل جملة . قال تعالى : { أوَ لَمْ يكفروا } أي : أبناء جنسهم ، ومَنْ مَذهبهم على مذهبهم ، وعنادهم مثل عنادهم ، وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام ، فقد كفروا { بما أُوتي موسى من قبلُ } من قبل القرآن ، { قالوا } في موسى وهارون : { ساحران تظاهرا } : تعاونا ، أو : في موسى ومحمد - عليهما السلام - بإظهار تلك الخوارق ، أو بتوافق الكتابين . وقرأ الكوفيون : " سِحْران " بتقدير مضاف ، أي : ذوَا سحر ، أو : جعلوهما سحريْن مبالغة في وصفهما بالسحر . { وقالوا } أي : كفرة موسى وكفرة محمد صلى الله عليه وسلم : { إِنا بكلِّ } بكل واحد منهما { كافرون } . وقيل أن أهل مكة ، لمّا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فقد كفروا بموسى وبالتوراة ، وقالوا في محمد صلى الله عليه وسلم وموسى : ساحران تظاهرا ، أو في التوراة والقرآن : سحران تظاهرا ، أو : ذلك حين بَعَثُوا الرهط إلى رؤساء اليهود يسألونهم عن محمد ، فأخبروهم أنه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش ، فأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا عند ذلك : { ساحران تظاهرا إنا بكل كافرون } . { قلْ } لهم : { فأتوا بكتابٍ من عند الله هو أهدى منهما } مما أنزل على موسى ، وما أنزل عليَّ ، { أتَّبِعُه } : جواب : فأتوا ، { إن كنتم صادقين } في أنهما ساحران ، { فإِن لم يستجيبوا لك } دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى ، { فاعلم أنما يتبعون أهواءهم } الزائغة ، ولم تبق لهم حجة إلا اتباع الهوى ، { وَمَنْ أضلُّ ممن اتبع هواه بغير هُدى من الله } أي : لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه بغير هدى ، أي : بغير اتباع شريعة من عند الله . و { بغير هدى } : حال ، أي : مخذولاً ، مُخَلاً بينه وبين هواه ، { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى والتقليد . وبالله التوفيق . الإشارة : لو احتجاج الناس على الله يوم القيامة ، حين تصيبهم نقائص عيوبهم ، ما بعث الله في كل زمان نذيراً طبيباً ، فإذا ظهر وتوجه لتربية الناس ، قالوا : لولا أُوتي مثل ما أُوتي فلان وفلان من كرامات المتقدمين ، فيقال لهم : قد كان مَنْ قبلكم من الأولياء لهم كرامات فكذَّبوهم وأنكروا عليهم ورموهم بالسحر والتبدع وغير ذلك وبقوا مع هوى أنفسهم . ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، أي : بغير تمسك بمن يهديه إلى حضرة الله ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين إلى معرفته الخاصة . ثم ذكر حكمة تفريق القرآن ، رداً على من قال : { لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } من إنزاله جملة ، فقال : { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ … }