Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 71-75)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : سرمداً : مفعول ثان لجعل ، وهو من السرد ، أي : التتابع ، ومنه قولهم في الأشهر الحرم : ثلاثة سرد وواحد فرد ، والميم زائدة ، فوزنه : فعْمَل . يقول الحق جل جلاله : { قل أرأيتم } أخبروني { إن جعل الله عليكم الليلَ سرمداً } دائماً بإسكان الشمس تحت الأرض ، أو بتحريكها حول الأفق الخارج عن كورة الأرض ، أو بإخفاء نورها ، { مَنْ إلهٌ غيرُ اللهِ يأتيكم بضياءٍ } ، وحقه : هل إله غير الله ، وعبّر بـ " مَن " على زعمهم أن غيره آلهة ، أي : هل يقدر أحد على هذا ؟ { أفلا تسمعون } سماع تدبر واستبصار ؟ . { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهارَ سرمداً إلي يوم القيامة } بإسكانها في وسط السماء ، أو : بتحريكها فوق الأفق فقط ، { مَنْ إِلهٌ غير الله يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه } استراحة من متاعب الأشغال ؟ ولم يقل : بنهارتتصرفون فيه ، كما قال : { بليل تسكنون فيه } ، بل ذكر الضياء ، وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ، وليس هو التصرف في المعاش وحده ، والظلام ليس هو بتلك المنزلة ، ومن ثم قرن بالضياء . { أفلا تسمعون } لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر ، من ذكر منافعه ، ووصف فوائده ، وقرن بالليل { أفلا تُبصرون } لأن غيرك يُبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه . { ومن رحمته } تعالى { جَعَلَ لكم الليلَ والنهارَ لتسْكُنُوا فيه } في الليل { ولِتَبْتَغوا من فضله } بالنهار بأنواع المكاسب . وهو من باب اللف والنشر . وقال الزجاج : يجوز أن يكون معناه : لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من الله فيهما ، ويكون المعنى : جعل لكم الزمان ليلاً ونهاراً لتسكنوا فيه ، ولتبتغوا من فضله ، { ولعلكم تشكرون } أي : ولكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها . ثم قَرَّعهم على الإشراك ، بعد هذا البيان التام ، بقوله : { ويومَ يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون } وكرر التوبيخ على الشرك ، ليؤذن ألاَّ شيء أجلبُ لغضب الله تعالى من الإشراك به ، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده . وقال القرطبي : أعاد هذا لاختلاف الحالين ، ينادون مرة ، فيدعون الأصنام فلا تستجيب لهم ، فيظهر كذبهم . ثم ينادون مرة أخرى فيسكنون ، وهو توبيخ وزيادة خزي . ثم طرق كون المناداة من الله ، أو ممن يأمره بذلك ، لقوله : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 174 ] ، ويحتمل : ولا يكلمهم بعد قوله : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] أو : ولا يكلمهم كلام رضا . هـ . { ونزعنا } وأخرجنا { من كل أُمةٍ شهيداً } ، وهو نبيهم ، يشهد عليهم بما كانوا عليه لأن الأنبياء شهداء على أممهم ، { فقلنا } للأمم : { هاتوا برهانكم } على صحة ما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسول ، { فعلموا } حينئذٍ { إن الحق لله } في الألوهية ، لا يشاركه فيها غيره ، { وضل عنهم } غاب غيبة الشيء الضائع { ما كانوا يَفترون } من ألوهية غير الله وشفاعة أصنامهم . والله تعالى أعلم . الإشارة : دوام ليل القبض يمحق البشرية ، ودوام نهار البسط يُطغي النفس ، وتخالفهما على المريد رحمة ، وإخراجه عنهما عناية ، وفي الحكم : " بسطِك كي لا يتركك مع القبض ، وقبضك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه " . وقال فارس رضي الله عنه : القبض أولاُ ، ثم البسط ، ثم لا قبض ولا بسط ، لأن القبض والبسط يقعان في الوجود وأما مع الفناء والبقاء فلا . هـ . ولما قال الله تعالى : { وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا } ذكر من متَّعه بها وغرته ، فقال : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ … }