Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 7-9)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { وأوحينا إلى أمِّ موسى } بالإلهام ، أو بالرؤيا ، أو بإخبار ملك كما كان لمريم ، وليس هذا وحي رسالة ، فلا يلزم أن تكون رسولاً ، واسمها : يوحانة ، وقيل : يوخابذ بنت يَصهرُ بن لاوي بن يعقوب . وقيل : يارخا . ذكره في الإتقان . وقلنا : { أن أرضعيه } " أن " : مفسرة ، أي : أرضعيه ، أو : مصدرية ، بأن أرضعيه ما أمكنك إخفاؤه ، { فإذا خِفْتِ عليه } من القتل { فألقيه في اليمِّ } . البحر ، وهو نيل مصر ، { ولا تخافي } عليه من الغرق والضياع ، { ولا تحزني } لفراقه ، { إنا رادوه إليك } بوجه لطيف لتُربيه ، { وجاعلوه من المرسلين } . وفي هذه الآية : أمران ، ونهيان ، وخبران ، وبشارتان . والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف : غم يلحق الإنسان لِتَوَقُّعِ مكروه ، والحزن : غم يلحق الإنسان لواقع أو ماضي ، وهو الآن فراقه والإخطار به . فنُهيت عنهما ، وبُشرت برده وجعله من المرسلين . رُوي أنه ذبح ، في طلب موسى ، تسعون ألف وليدٍ . ورُوي أنها حين ضربها الطلق - وكانت بعض القوابل من الموكلات بحَبَالى بني إسرائيل مَصافية لها ، فعالجتها ، فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيّه ، ودخل حُبُه قلبها ، فقالت : ما جئتُ إلا لأقتل ولدك وأُخبر فرعون ، ولكن وجدت لابنك حباً ما وجدت مثله ، فاحفظيه ، فلما خرجت القابلة ، جاءت عيون فرعون فلفَّتْه في خرقة ، ووضعته في تنور مسجور ، ولم تعلم ما تصنع لِما طاش من عقلها ، فطلبوا فلم يجدوا شيئاً ، فخرجوا ، وهي لا تدري مكانه ، فسمعت بكاءه من التنور ، فانطلقت إليه ، وقد جعل الله النار عليه برداً وسلاماً . فلما ألح فرعون في طلب الولدان أوحى الله إليها بإلقائه في اليمِّ ، فألقته في اليم بعد أن أرضعته ثلاثة أشهر . رُوي أنها لفته في ثيابه ، وجعلت له تابوتاً من خشب ، وقيل : من بردى ، وسدت عليه بقفل ، وأسلمته ثقة بالله وانتظاراً لوعده سبحانه . قال ابن مخلص : ألقته في البحر بالغداة ، فرده إليها قبل الظهر . حُكي أن فرعون كانت له بنتٌ برصاء ، أعيت الأطباء ، فقال الأطباء والسحرة : لا تبرأ إلا من قِبل البحر ، يؤخذ من شبه الإنسان ، فيؤخذ من ريقه وتلطخ به برصها ، فتبرأ ، فقعد فرعون على شفير النيل ، ومعه آسية امرأته ، فإذا بالتابوت يلعب به الموج ، فأخِذ له ، ففتحوه ، فلم يطيقوا ، فدنت آسية ، فرأت في وجه التابوت نوراً لم يره غيرُها ، لِلذي أراد الله أن يكرمها ، ففتحه ، فإذا الصبي بين عينيه نور وقد جعل الله رزقه في إبهامه ، يمصه لبناً ، فأحبته آسية وفرعون ، فلطخت بنت فرعون برصها فبرئت ، فقبَّلته وضمته إلى صدرها . فقال بعض القواد من قوم فرعون : نظن هذا المولود الذي نحذر منه ، فهمّ فرعون بقتله - والله غالب على أمره - فقالت : آسية : { قُرة عين لي ولك . … } الآية . وهذا معنى قوله : { فالتقطه آلُ فرعون } أخذه . قال الزجّاج : وكان فرعون من أهل فارس ، من إصْطَخْر . والالتقاط : وجدان الشيء من غير طلب ولا إرادة ، ومنه : اللُّقَطَةُ ، لما وُجد ضالاً . وقوله : { ليكونَ لهم عَدُواً وحَزَناً } أي : ليصير الأمر ذلك ، لا أنهم أخذوه لهذا ، فاللام للصيرورة كقولهم : لدوا للموت وابنوا للخراب . وقال صاحب الكشاف : هي لام " كي " التي معناها التعليل ، كقولك : جئت لتكرمني . ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز لأن ذلك لما كان نتيجة التقاطم له شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعلَ لأجله . هـ . وتسمى بالاستعارة التبعية . وفي " الحَزَن " لغتان الفتح ، والضم ، كالعدم والعدم . { إنَّ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما كانوا خاطئين } ، أي : مذنبين ، فعاقبهم الله تعالى بأن ربَّى عدوهم ، ومن هو سبب هلاكهم على يديهم . أو : كانوا خاطئين في كل شيء ، فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم . { وقالت امرأةُ فرعون } ، لمّا هم فرعون بقتله - لقول القواد : هو الذي نحذر هو : { قرةُ عين لي ولك } ، فقال فرعون : لكِ ، لا لي . قال صلى الله عليه وسلم : " لو قال مثل ما قالت لهداه الله مثل ما هداها " ، وهذا على سبيل الفرض ، أي : لو كان غير مطبوع عليه الكفر لقال مثل قولها . ثم قالت : { لا تقتلوه } ، خاطبته خطاب الملوك ، أو خاطبت القُواد . { عسى أن ينفعنا } فإن فيه مَخَايلَ اليُمنِ ودلائلَ النفع ، وذلك لِمَا عَايَنَتْ من النور وبرْءِ البرصاء . { أو نتخذه ولدا } أو : نتبناه فإنه أهل لأَن يكون ولد الملوك . قال تعالى : { وهم لا يشعرون } ما يكون من أمره وأمرهم ، أو : لا يشعرون أن هلاكهم على يديه ، أو : لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه . والله تعالى أعلم . الإشارة : يقال لمن يعالج تربية مريد : أرضعه من لبن علم الغيوب ، فإذا خفت عليه الوقوف مع الشرائع ، فألقه في اليم في بحر الحقائق ، ولا تخف ولا تحزن ، إنا رادوه إلا بر الشرائع ، ليكون من الكاملين ، لأن من غرق في بحر الحقيقة ، على يد شيخ كامل ، لا بد أن يخرجه إلى بر الشريعة ويسمى البقاء ، وهو القيام برسم الشرائع ، فالبقاء يطلب الفناء ، فمن تحقق بمقام الفناء فلا بد أن يخرج إلى البقاء ، كما يخرج من فصل الشتاء إلى الربيع . والله تعالى أعلم . وقوله تعالى : { ليكون لهم عدواً وحزناً } ، ما كان التقاط فرعون لموسى إلا للمحبة والفرح ، فخرج له عكسه . ومن هذا كان العارفون لا يسكنون إلى الشيء ولا يعتمدون على شيء لأن العبد قد يخرج له الضرر من حيث النفع وقد يخرج له النفع من حيث يعتقد الضرر ، وقد ينتفع على أيدي الأعداء ، وَيُضَرُّ على أيدي الأَحِبَّاءِ ، فليكن العبد سلْماً بين يدي سيده ، ينظر ما يفعل به . { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } . ثم قال تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً … }