Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 4-6)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { إِنَّ فرعونَ علا في الأرض } ، وهو استئناف بياني ، وكأن قائلاً قال : وكيف كان نبأهما ؟ فقال : إنه علا في الأرض ، أي : تجبّر وطغى في أرض مصر ، وجاوز الحد في الظلم والعدوان . أو : علا عن عبادة ربه ، وافتخر بنفسه ، ونسي العبودية . وفي التعبير بالأرض تبكيت عليه ، أي : علا في محل التذلل والانخفاض ، { وجعل أهلَها شِيعاً } أي : فرقاً وأصنافاً في الخدمة والتسخير ، كلُّ قوم من بني إسرائيل في شغل مفرد . وقيل : مَلَكَ القبط واستعبد بني إسرائيل . أو : فرقاً مختلفة ، يُكرم طائفة ويهين أخرى ، فأكرم القبط ، وأهان بني إسرائيل . { ويستضعفُ طائفةً منهم } وهم بنو إسرائيل ، وهو يُرشد إلى كون المراد بقوله : { وجعل أهلها } لا يُخَصُّ ببني إسرائيل . { يُذَّبِّحُ أبناءهم } الذكور ، { ويستحيي نساءَهم } أي : البنات ، يتركهم لخدمته . وسبب ذبحه للأبناء أن كاهناً قال له : يولد مولود في بني إسرائيل ، يذهب ملكك على يده ، وفيه دليل على حمق فرعون ، فإنه إن صدق الكاهن لم ينفعه القتل إذ لا ينفع حذر من قدر ، وإن كذب فلا معنى للقتل . وجملة : { يستضعف } : حال من الضمير في { جعل } ، أو صفة لشِيع ، أو استئناف . { إنه كان من المفسدين } ، أي : الراسخين في الإفساد ، ولذلك اجترأ على تلك العزيمة العظيمة ، ومن قتل المعصومين من أولاد الأنبياء - عليهم السلام . { ونريد أن نَمُنَّ } أي : نتفضل { على الذين استُضعفوا في الأرض } على الوجه المذكور بالقتل والتسخير . وهذه الجملة معطوفة على : { إن فرعون } ، أو : حال من { يستضعف } ، أي : يستضعفهم فرعون ونحن نُريد أن نمنّ عليهم ، وإرادة الله تعالى كائنة لا محالة ، فَجُعِلَتْ كالمقارنة لاستضعافهم ، { ونجعلهم أئمةً } أي : قادة يُقتدى بهم في الخير ، أو : دعاة إلى الخير ، أو : ولاةً وملوكاً ، { ونجعلهم الوارثين } أي : يرثون فرعون وقومه ، مُلكهم وكل ما كان لهم . { ونُمكِّن لهم في الأرض } أرض مصر والشام يتصرفون فيها كيف شاؤوا وتكون تحت مُلكهم وسلطانهم . وأصل التمكن : أن يجعل لهم مكاناً يقعد عليه ، ثم استعير للتسليط والتصرف في الأمر . { ونُرِيَ فرعونَ وهامان وجنودَهما منهم } من بني إسرائيل ، { ما كانوا يحذَرون } يخافون من ذهاب ملكهم ، وهلاكهم على يد مولود منهم . والحذر التوقي من الضرر . ومن قرأ يري بالياء ففرعون وما بعده فاعل . وبالله التوفيق . الإشارة : العلو في الأرض يُورث الذل والهوان . والتواضع والاستضعاف يورث العز والسلطان ، والعيش في العافية والأمان من تواضع رفعه الله ، ومن تكبر قصمه الله . وهذه عادة الله في خلقه ، بقدر ما يَذِلُّ في جانب الله يعزه الله ، وبقدر ما يفتقر يغنيه الله ، بقدر ما يفقد يجد الله . قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا ، وحكمت عليه بالفقد حتى وجدوا . وبالله التوفيق . ثم ذكر أول نشأة موسى عليه السلام وما جرى في تربيته ، فقال : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ … }