Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 83-84)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : تلك : مبتدأ ، ونجعلها : خبر . يقول الحق جل جلاله : { تلك الدارُ الآخرة } أي : تلك الدار التي سمعْت بذكرها ، وبلغت خبرها . وعنى البُعد في الإشارة ، لبُعد منزلتها وعلو قدرها ، { نجعلها للذين لا يُريدون علواً في الأرض } أي : تكبراً وقهراً كحال فرعون ، { ولا فساداً } عملاً بالمعاصي ، أو ظلماً على الناس ، كحال قارون ، أو قتل النفس ، أو : دعاء إلى عبادة غير الله ، ولم يعلق الوعد بترك العلو والفساد ، ولكن بترك إرادتهما وميل القلب إليهما ، أدرك ذلك بالفعل أم لا . وعن علي رضي الله عنه : إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه ، فيدخل تحتها . وعن الفضيل : أن قرأها ، ثم قال : ذهبت الأماني ها هنا وعن عمر عبد العزيز رضي الله عنه أنه كان يرددها حتى قُبض . { والعاقبة } المحمودة { للمتقين } ما لا يرضاه الله من العلو والفساد وغير ذلك . { ومن جاء بالحسنة فله خيرٌ منها } ذاتاً وقدراً ووصفاً ، { ومن جاء السيئة } مالا يرضاه الله تعالى ، { فلا يجزى الذين عملوا السيئات } ، أصله : فلا يجزون ، وضع الظاهر موضع المضمر لِمَا في إسناد السيئات إليهم من تقبيح رأيهم وتسفية أحلامهم ، وزيادة تبغيض السيئات إلى قلوب السامعين ، { إلا ما كانوا يعملون } إلا جزاء عملهم فقط ، ومن فضله العظيم ألا يجزي السيئة إلا مثلها ، ويجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة . الإشارة : جعل الله الدار الآخرة للمتواضعين ، أهل الذل والإنكسار ، والعاقبة المحمودة - وهي الوصول إلى الحضرة - للمتقين الشهرة والاستكبار ، وفي الحكم : " ادفن نفسك في أرض الخمول فَمَا نَبَتَ مِمَّا لَمْ يُدفنْ لاَ يَتِمُّ نِتَاجُهُ " . قال في التنبيه : لا شيء أضر على المريد من الشهرة وانتشار الصيت لأن ذلك من أعظم حظوظه ، التي هي مأمور بتركها ، ومجاهدة النفس فيها ، وقد تسمح نفس المريد بترك ما سوى هذا من الحظوظ . هـ . وكان شيخ شيخنا يقول : نحب المريد أن يكون قدمه أعظم من صيته ، ولا يكون صيته أعظم من قدمه . هـ . وقال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه : ما صدق الله من أحب الشهرة . وقال بعضهم : طريقتنا هذه لا تصلح إلا بأقوام كنست بأرواحهم المزابل . وقال أيوب رضي الله عنه : ما صدق عبد إلا سَرَّهُ ألا يشعر بمكانه . وقال في القوت : ومتى ذل العبد نفسه ، واتضع عندها ، فلم يجد لذلته طعماً ، ولا لضعته حسماً ، فقد صار الذل والتواضع كونَه ، فهذا لا يكره الذم من الخلق لوجود النقص في نفسه ، ولا يحب المدح منهم لفقد القدر والمنزلة في نفسه . فصارت الذلة والضعة صفة لا تفارقه ، لازمة لزوم الزبالة للزبال ، والكساحة للكساح ، هما صنعتان له كسائر الصنائع . وربما فخروا بهما لعدم النظر إلى نقصهما . فهذه ولاية عظيمة له من ربه ، قد ولاّه على نفسه ، وملّكه عليها ، فقهرها بعزه ، وهذا مقام محبوب ، وبعده المكاشفات بسرائر الغيوب . ثم قال : ومن كان حاله مع الله تعالى الذل طلبه واستحلاه ، كما يطلب المتكبر العز ، ويستحليه إذا وجده ، فإن فارق ذلك الذل ساعة تغير قلبه لفراق حاله ، كما أن المتعزز إن فارق العز ساعة تكدر عليه عيشه لأن ذلك عيش نفسه . هـ . قلت : وهذا مقام من المقامات ، والعارف الكالم لا يتغير قلبه على فقد شيء إذ لم يفقد شيئاً بعد أن وجد الله ، مَاذَا فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ . والذي ذكره في القوت هو حال السائرين الصادقين . وبالله التوفيق . ثم ذكر عاقبة سيّد المتقين ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ … }