Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 85-88)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : ولا يصدنك : مجزوم بحذف النون ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، حين دخلت نون التوكيد . يقول الحق جل جلاله : لرسوله صلى الله عليه وسلم { إن الذي فَرَضَ عليك القرآن } أي : أوجب عليك تلاوته وتبليغه ، والعمل بما فيه ، { لرادُّك إلى معاد } عظيم ، وهو المعاد الجسماني لتقوم المقام المحمود ، الذي لا يقوم فيه أحد غيرك ، مع حضور الأكابر من الرسل وغيرهم . أو : لرادك إلى معادك الأول ، وهو مكة ، وكان عليه الصلاة والسلام اشتاق إليها لأنها مولده ومولد آبائه ، وقد ردّه إليها يوم الفتح ، وإنما نكَّره لأنه كان في ذلك اليوم معاد له شأن ، ومرجع له اعتداد لغلبته - عليه الصلاة والسلام - ونصره ، وقهره لأعدائه ، ولظهور عز الإسلام وأهله ، وذل الشرك وحزبه . والسورة مكية ، لكن هذه الآية نزلت بالجُحْفَةِ ، لا بمكة ولا بالمدينة ، وفي الآية وعد بالنصر ، وأن العاقبة الحسنة والخير الجسيم للنبي صلى الله عليه وسلم لا يختص بالآخرة ، بل يكون في الدنيا له ولمتَّبِعيهِ ، ولكن بعد الابتلاء والامتحان ، كما في صدر السورة الآتية بعدها ، وبهذا يقع التناسب بينهما ، فإنها كالتعليل لِمَا قبلها . ولما وعده بالنصر قال له : قل ربي أعلم من جاء بالهُدى أي : يعلم مَنْ جاء بالحق ، يعني نَفْسَهْ صلى الله عليه وسلم مع ما يستحقه من النصر والثواب ، في معاده ، { ومن هو في ضلال مبين } وهم المشركون ، مع ما يستحقونه من العقاب في معادهم . { وما كنتَ ترجو أن يُلقى } يوحي { إليك الكتابُ } أي : القرآن ، فكما ألقى إليك الكتاب ، وما كنت ترجوه كذلك يردك إلى معادك الأول ، من غير أن تَرْجُوَهُ ، { إلا من رحمةً من ربك } ، لكن ألقاه إليك ، رحمة منه إليك ، ويجوز أن يكون استثناء محمولاً على المعنى كأنه قال : وما أُلْقِيَ إليك الكتاب إلا رحمة من ربك { فلا تكونن ظهيراً } معيناً { للكافرين } على دينهم بمُداراتهم والتحمل عنهم ، والإجابة إلى طلبتهم . { ولا يَصُدُّنَّك عن آيات الله } أي : لا يمنعك هؤلاء عن العمل بآيات الله وتبليغها وإظهارها ، { بعد إذ أُنزلت إليك } أي : بعد وقت إنزالها ، و { إذ } : مضاف إليه أسماء الزمان ، كقولك : حينئذٍ ويَومَئذٍ . { وادعُ إلى ربك } إلى توحيده وعبادته ، { ولا تكونن من المشركين } ، نهاه ، تنفيراً لغيره من الشرك . { ولا تَدْعُ مع الله إلهاً آخر } ، قال ابن عباس رضي الله عنه : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به أَهْلُ دينه . قال البيضاوي . وهذا وما قبله تهييج ، وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم ، { لا إله إلا هو } : استئناف ، مقرر لِمَا قبله ، { كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وَجْهَهُ } أي : ذاته ، فالوجه يُعَبِّرُ به عن الذات ، أي : لكل شيء فانٍ مستهلك معدوم ، إلا ذاته المقدسة ، فإنها موجودة باقية . وقال أبو العالية : إلا ما أريد به وجه الله ، مِنْ عِلْمٍ وعمل ، فإنه لا يفنى . قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه : يجاء بالدنيا يوم القيامة ، فيقال : ميزوا ما كان لله تعالى منها ، فيميز ، ثم يؤمر بسائرها فيُلقى في النار . هـ . وقال الضحاك : كل شيء هالك إلا الله والجنة والنار والعرش . { له الحُكْمُ } القضاء النافذ في خلقه ، { وإليه تُرجعون } للجزاء والفصل . والله تعالى أعلم . الإشارة : أهل الاشتياق يُرَوِّحُونَ أرواحهم بهذه الآية ، فيقولون لها : إن الذي فرض عليك القرآن ، أن تعمل به في الدنيا لرادك إلى معاد جسماني روحاني ، فتتصل نضرتك ونظرتك إلى وجه الحبيب ، من غير عذول ولا رقيب ، على سبيل الاتصال ، من غير تكدر ولا انفصال ، فإن وقع الإنكار على أهل الخصوصية فيقولون : { ربي أعلم } الآية … وما كنت ترجو أن تُلْقَى إليك الخصوصية إلا رحمة من ربك ، فلا تكونن ظهيراً للكافرين المنكرين لها ، معيناً لهم على إذاية من انتسب إليها ، ولا يصدنك عن معرفة آيات الله الدالة عليه ، بعد إذ أُنزلت إليك ، أي : لا يمنعك الناس عن صحبة أولياء الله الدالين عليه ، وادع إلى ربك ، أي : إلى معرفة ذاته ووحدانيته ، ولا تكونن من المشركين بشهود شيء من السِّوى ، فإن كل شيء هالك ، أي : معدم في الماضي والحال والاستقبال ، إلا وجهه : إلا ذاته ، فلا موجود معها ، وفي ذلك يقول الشاعر : @ الله قُلْ ، وذَرِ الْوُجُودَ وَمَا حَوَى إِنْ كُنْتَ مُرْتَاداً بُلُوغَ كَمَال فَالْكُلُّ ، دون اللهِ إِن حَقَّقْتَهُ عَدََمٌ عَلَى التَّفْصِيل وَالإجْمَالِ وَاعلَمْ بأنَّكَ والعَوالِمَ كُلَّها لَوْلاَهْ فِي مَحْوٍ وَفِي اضْمِحْلاَلِ مَنْ لاَ وُجُودَ لِذَاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ فَوُجُودُهُ ، لولاه عَيْنُ مُحَالِ فَالْعَارِفُون فَنَوْا ، وَلَمْ يَشْهَدُوا شَيْئاً سِوَى المُتَكَبِّرِ الْمُتَعَالِ وَرَأَوْا سِوَاهُ عَلَى الحَقِيقَةِ هَالِكاً فِي الْحَاِلِ وَالْمَاضِي وَالاسْتِقْبَال @@ وبالله التوفيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وَصَلَّى اللهُ على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسَلَّمَ .