Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 10-11)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ومن الناس من يقول آمنا بالله } ، فيدخل في جملة المسلمين ، { فإِذا أُوذي في الله } أي : مسّه أذىً من الكفرة بأن عذبوه على الإيمان ، { جعل فتنةَ الناسِ كعذابِ الله } أي : جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله ، فَيُصْرَفْ عن الإيمان ، { ولئن جاء نصرٌ من ربك } فتح أو غنيمة ، { ليقولن إنا كنا معكم } أي : متابعين لكم في دينكم ، ثابتين عليه بثباتكم ، فأعطونا نصيباً من المغنم . والمراد بهم : المنافقون ، أو : قوم ضعف إيمانهم فارتدوا . قال تعالى : { أَوَلَيس الله بأعلمَ بما في صدور العالمين } أي : هو أعلم بما في صدور العالمين . ومن ذلك ما في صدور هؤلاء من النفاق ، وما في صدور المؤمنين . من الإخلاص . الإشارة : منافق أهل الإيمان هو الذي يظهر الإيمان في الرخاء ويرجع عنه في الشدة ، ومنافق الصوفية هو الذي يظهر الانتساب في السعة والجمال ، فإذا وقع البلاء والاختبار بأهل النسبة خرج عنهم ، فإذا أُوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله بالقطيعة والحجاب ، ولئن جاء لأهل النسبة نصر وعز ، ليقولن : إنا كنا معكم . وقد رأينا كثيراً من هذا النوع ، دخلوا في طريق القوم ، فلما قابلتهم نيران التعرف والامتحان رجعوا القهقرى ، فعند الامتحان يعز المرء أو يهان ، وعند الحَمْلَةِ يتميز الجبان من الشجاع . قال القشيري : المحن تُظْهِرُ جواهرَ الرجال ، وتَدُلُّ على قيمتهم وأقدارهم . ثم من كانت محنته من فوات الدنيا ، أو نقص نصيبه فيها ، أو بموت قريب أو فَقْد حبيب ، فحقيرٌ قدره ، وكثيرٌ في الناس مثله . ومن كانت محنته في الله ولله ، فعظيم قدره ، وقليل مثله ، في العدد قليل ، ولكن في القدر والخطر جليل . هـ . قلت : معنى كلامه : أن العامة يمتحنهم الله ويختبرهم بذهاب حظوظهم وأحبابهم ، فإن جزعوا فقدرهم حقير ، وإن صبروا فأجرهم كبير ، وأما الخاصة فيمتحنهم الله بسبب نسبتهم إلى الله ، وإقبالهم عليه ، أو الأمر بمعروف أو نهي عن منكر ، فَيُؤْذَوْنَ في جانب الله ، فمنهم من يُسجن ، ومنهم من يُضرب ، ومنهم من يُجلى من بلده ، فهؤلاء قدرهم عند الله كبير . ثم قال : والمؤمن مَنْ يكفُّ الأذى ، والولي من يتحمل من الناس الأذى ، من غير شكوى ، ولا إظهار دعوى . هـ . ولما وقعت الإذابة من الكفار للمسلمين طمعوا فيهم كما قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ … }