Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 8-9)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : " وصى " حُكمه حُكْمُ " أَمَرَ " ، يقال وصيت زيداً بان يفعل خيراً ، كما تقول : أمرته بأن يفعل خيراً ، ومنه : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } [ البقرة : 132 ] ، أي : أمرهم بكلمة التوحيد ووصاهم عليها . يقول الحق جل جلاله : { ووصينا الإنسانَ بوالديه } أمرناه بإيتاء والديه { حُسْناً } أي : فعلاً ذا حُسْنٍ ، أو : ما هو في ذاته حُسن ، لفرط حسنه ، كقوله : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [ البقرة : 83 ] أو : وصينا الإنسان بتعاهد والديه ، وقلنا له : أحسن بهما حسناً ، أو أوْلِهِمَا حُسْناً . { وإِن جاهداك } أي : حملاك بالمجاهدة والجد { لتُشرك بي ما ليس لك به علم } أي : لا علم لك بالإلهية ، والمراد نَفْيُ العلم نَفْيُ المعلوم ، وكأنه قيل : لتشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلهاً ، وقيل : ما ليس لك به حجة لأنها طريق العلم ، فهو قوله : { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [ المؤمنون : 117 ] ، بل هو باطل عقلاً ونقلاً ، { فلا تُطعمها } في ذلك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . { إليّ مرجعُكُم } ، من آمن منكم ومن أشرك ، { فأُنبئُكم بما كنتم تعملون } فأُجازيكم حق جزائكم . وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك ، وحث على الثبات والاستقامة في الدين . رُوي أن سعد بن أبي وقاص لما أسلم ، نذرت أمه ألا تأكل ولا تشرب حتى يرتد ، فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية والتي في لقمان { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } [ لقمان : 15 ] . { والذين آمنوا } ثبتوا على الإيمان { وعملوا الصالحات لنُدخِلنّهم في الصالحين } أي : في جملتهم ، والصلاح مِن أبلغ صفة المؤمنين ، وهو متمني الأنبياء ، فقال سليمان عليه السلام : { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [ النمل : 19 ] . وقال يوسف عليه السلام : { تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] أو : في مدخل الصالحين ، وهو الجنة . الإشارة : قد وصى الله تعالى بطاعة الوالدين في كل شيء ، إلا في شأن التوحيد والتخلص من الشرك الجلي والخفي ، فإن ظهر شيخ التربية ومنع الوالدان ولدَهما من صحبته ، ليتطهر من شركه ، فلا يُطعمها ، وسيأتي في لقمان دليل ذلك ، إن شاء الله . وبالله التوفيق . ثم ذكر شأن من امتُحِنَ فَافْتُضِحَ ، فقال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ … }