Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 14-15)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { و } الله { لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إلا خمسين عاماً } يدعوهم إلى الله ، وهم يؤذونه بالشتم والضرب حتى نُصر ، فاصبر كما صبر ، فإن العاقبة للمتقين . رُوي أنه عاش ألفاً وخمسين سنة وقيل : إنه ولد في حياة آدم وآدم يومئذٍ ابن ألف سنة إلا ستين عاماً . وقيل : إلا أربعين . ذكره الفاسي في الحاشية . والمشهور : أن بينه وبين آدام نحو العشرة آباء . وروي أنه بُعث على رأس أربعين ، ولبث في قومه تسعمائة وخمسين . وعاش بعد الطوفان ستين . وعن وَهْبٍ أنه عاش في عمره ألفاً وأربعمائة ، وقيل : وستمائة ، فقال له ملك الموت : يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا ؟ قال : كَدَارٍ لها بابان ، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر . ولم يقل : تسعمائة وخمسين سنة ، لأنه ، لو قيل ذلك ، لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره ، وهذا التوهم زائل هنا ، وكأنه قيل : تسعمائة وخمسين كاملة وافية العدد . مع أن ما ذكره الحق أسلس وأعذب لفظاً ، ولأن القصة سيقت لذكر ما ابتلى به نوح عليه السلام من أمته ، وما كابده من طول المصابرة تسليةً لنبينا - عليه الصلاة والسلام - فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض . وَجِيءَ ، أولاً : بالسّنةِ ثم بالعام لأن تكرار لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة . { فأخذهم الطوفانُ } طوفان الماء ، وهو ما طاف وأحاط ، بكثرة وغلبة ، من سيل ، أو ظلام ليلٍ ، أو نحوها ، { وهم ظالمون } أنفسهم بالكفر والشرك ، { فأنجيناه وأصحابَ السفينة } ، وكانوا ثمانية وسبعين نفساً ، نصفهم ذكور ، ونصفهم إناث ، أولاد نوح : سام ، وحام ، ويافث ، ونساؤهم ، ومَنْ آمَنَ مِنْ غَيْرِهِمْ ، { وجعلناها } أي : السفينة ، أو الحادثة ، أو القصة ، { آيةً } عبرة وعظة { للعالَمين } يتعظون بها . الإشارة : كل ما سُلى به الأنبياء يُسَلّى بِهِ الأولياء ، فكل من أُوذي في الله ، او لحقته شدة من شدائد الزمان ، فليعتبر بمن سلف قبله من الأكابر ، ويتسلى بهم ، ولينظر إلى لطف الله وبره وإحسانه ، فإن لطفه لا ينفعك عن قدره . قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : العارف هو الذي يغرق إساءته في إحسان الله إليه ، ويغرق شداد الزمان في الألطاف الجارية من الله عليه فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون . ثم ذكر قصة إبراهيم ، فقال : { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ … }