Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 16-18)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : إبراهيم : عطف على نوح ، أو متعلق باذكر ، و وإذ قال : ظرف زمان لأرسلنا ، أو : بدل اشتمال من إبراهيم إِنْ نُصِبَ باذكر ، لأن الأحيان تشتمل على ما فيها . يقول الحق جل جلاله : { وإِبراهيمَ } أي : وأرسلنا إبراهيم { إذ قال لقومه } أي : أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره ، وبلغ من السن والعلم مبلغاً صَلَحَ فيه لأن يعظ قَوْمَهُ ، وَيَأَمُرَهُمْ بالعبادة والتقوى . وقرأ النخعي وأبو حنيفة : بالرفع . أي : ومن المرسلين إبراهيم ، قال في وعظه : { اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم } مما أنتم عليه من الكفر ، { إن كنتم تعلمون } إن كان فيكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم . { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً } أصناماً { وتخلُقُون } : تختلفون وتكذبون ، أو تصنعون أصناماً بأيديكم تسمونها آلهة . وقرأ أبو حنيفة والسُّلَمِي : " وَتُخَلِّقُونَ " بالكسر والشد . من خَلَّقَ للمبالغة . { إفكاً } : وقرئ " أَفِكاً " بفتح الهمزة ، وهو مصدر ، نحو كذب ولعب . واختلاقهم الإفك : تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله . { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً } : لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق ، { فابتغوا عند الله الرزقَ } كُلَّه فإنه هو الرزاق وحده ، لا يرزق غَيْرُهُ . { واعبدوه واشكروا له } أي : متوسلين إلى مطالبكم بعبادته ، مقيدين لما خصكم به من النعم بشكره { إليه تُرجعون } فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه ، { وإِن تُكذِّبوا } أي : تكذبوني { فقد كَذَّبَ أُمَمٌ من قبلكم } رُسُلَهم ، { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } الذي يزول معه الشك . والمعنى : وأن تكذبوني فلا تضرونني بتكذيبكم فإن الرسل قبلي قد كذبتهم أممهم ، وما ضروهم ، وإنما ضروا أنفسهم ، حيث حلّ بهم العذابُ . وأما الرسول فقد أدى ما عليه حين بلغَ البلاغَ المبين ، الذي لم يبق معه شك ، حيث اقترن بآيات الله معجزاته . أو : وإن كنت مُكَذِّباً فيما بينكم فلي في سائر الأنبياء أسوة حيث كُذَّبُوا وعلى الرسول أن يُبَلِّغَ ، وما عليه أن يصدَّق ولايكذّب . وهذه الآية من قوله : { وإِن تُكذِّبوا } إلى قوله : { فما كان جواب قومه } : يحتمل أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه ، والمراد بالأمم قبله : قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم ، وأن تكون من كلام الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشأن قريش ، مُعْتَرِضَةً بين أول قصة إبراهيم وآخرها . فإن قلت : الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه فلا تقول : مكة ، وزيد قائم ، خير بلاد الله ؟ قلت : قد وقع الاتصال ، وبيانه : أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباهُ إبراهيم كان مبتلى بنحو ما ابتلى به من شرك قومه ، وعبادتهم الأوثان ، فاعترض بقوله : { وإِن تُكذِّبوا } يا معشر قريش محمداً ، فقد كذب إبراهيمَ قومُه ، وكل أمة كذبت نبيها لأن قوله : { فقد كذّب أمم مِن قبلكم } لا بد من تناوله لأمة إبراهيم ، وهو كما ترى اعتراض متصل ، ثم سائر الأيات بعدها من توابعها لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله ، وهدم الشرك ، وتوهين قواعده ، وصفة قدرة الله وسلطانه ، ووضح صحته وبرهانه . قاله النسفي . قال ابن جزي : { وإن تُكذِّبوا } يحتمل ان يكون وعيداً للكفار وتهديداً لهم ، أو يراد به تسلية النبي عن تكذيب قومه ، بالتأسي بغيره من الأنبياء الذين كذّبهم قومُهم . هـ . الإشارة : قوله تعالى : { فابتغوا عند الله الرزق } قال سهل رضي الله عنه : معناه : اطلبوا الرزق في التوكل ، لا في الكسب فإن طلب بالكسب سبيل العوام . وقال ابن عطاء الله : اطلبوا الرزق في الطاعة والإقبال على العبادة . وقال القشيري : وقدَّم ابتغاء الرزق لتوقف القيام بالعبادة عليه ، ثم أمر بالشكر على الكفاية . هـ . ثم أمرهم بالاعتبار ، فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ … }