Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 46-46)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ولا تُجادلوا أهلَ الكتاب إلا بالتي هي أحسن } إلا بالخصلة التي هي أحسن ، أي : ألطف وأرفق ، وهي مقابلة الخشونة باللين ، والغضب بالكظم ، والمشاغبة بالنصح ، بأن تدعوه إلى الله تعالى برفق ولين ، وتبين له الحجج والآيات ، من غير مغالبة ولا قهر . وأصل المجادلة : فتلُ الخصم عن مذهبه بطريق الحجج ، وأصله : شدة الفتل ، ومنه قيل للصقر : أجدل لشدة فتل بدنه وقوة خلقه . والآية قيل : منسوخة بآية السيف ، وقيل : نزلت في أهل الذمة . { إلا الذين ظلموا منهم } ، فأفرطوا في الاعتداء والعناد ، ولم يقبلوا النصح ، ولم ينفع فيهم الرفق فاستعمِلوا معهم الغلظة . وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو : إلا الذين أثبتوا الولد والشريك ، وقالوا : يد الله مغلولة . أو معناه : ولا تُجادلوا الذين دخلوا في الذمة ، المؤدين للجزية ، إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا : فنبذوا الذمة ، ومنعوا الجزية ، فمجادلتهم بالسيف . والآية تدل على جواز مناظرة الكفرة في الدين ، وعلى جواز تعلم علم الكلام ، الذي به تتحقق المجادلة . قاله النسفي . { وقولو آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهُنا وإلهكم واحد } هذا من حسن المجادلة . قال صلى الله عليه وسلم : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وكتبه ورسله ، فإن كان باطلاً لم تصدقوهم ، وإن كان حقاً لم تكذبوهم " { ونحن له مسلمون } مطيعون له خاصة ، وفيه تعريض باتخاذهم أحبارَهُم ورهبانَهم أرباباً من دون الله . الإشارة : المناظرة بين العلماء ، والمذاكرة بين الفقراء ، ينبغي أن تكون برفق ولين على قلب سليم ، بقصد إظهار الحق وتبيين الصواب ، أو تنبيه عن الغفلة ، أو ترقية في المنزلة ، من غير ملاححة ، أو مخاصمة ، ولا قصد مغالبة لأن العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق . قال في الحاشية : ثم تذكّر حسن رده صلى الله عليه وسلم للقائلين له : السام عليكم ، ورفقَه ، وقوله لعائشة : " متى عَهدْتِنِي فاحشاً " ؟ يتبين لك مناسبة الوصية بحسن المجادلة في الآية مع ما قبلها ، وأن ذلك حال المقيمين للصلاة ، الذاكرين الله حقيقة ، وأنهم على خُلق جميل وحلم وسمت ، لا يستفزهم شيء من العوارض لِمَا رسخ في قلوبهم من نور القُرب الذي محى الطبع وفُحْشه . والله تعالى أعلم . هـ . ثم ذكر برهان حقية القرآن الذي أنزل إلينا ، فقال : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ … }