Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 60-63)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جل جلاله : { وكأيِّن من دابة } أي : وكم دابة من داوب الأرض ، عاقلة وغير عاقلة ، { لا تحملُ رِزْقَها } لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله ، { اللهُ يرزقها وإياكم } أي : لا يرزق تلك الدواب الضعاف إلا الله ، ولا يرزقكم أنتم أيها الأقوياء إلا الله ، وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها لأنه لو لم يخلق فيكم قدرة على كسبها ، لكنتم أعجز من الدواب . وعن الحسن : { لا تحمل رزقها } : لا تدخره ، إنما تصبح خِمَاصاً ، فيرزقها الله . وقيل : لا يدخر من الحيوان قوتاً إلا ابن آدم والفأرة والنملة . { وهو السميع } لقولكم : نخشى الفقر والعيْلة إن هاجرنا ، { العليم } بما في ضمائركم من خوف فوات الرزق . ثم ذكر دلائل قدرته على الرزق وغيره فقال : { ولئن سألتهم } أي : المشركين وغيرهم { مَنْ خَلَقَ السماوات والأرض } على كبرهما وسعتهما ، { وسخَّرَ الشمسَ والقمرَ } يجريان في فلكهما ، { ليقولُنَّ اللهُ } لا يجدون جواباً إلا هذا ، لإقرارهم بوجود الصانع ، { فأنى يؤفكون } فكيف يُصرفون عن توحيد الله ؟ مع إقرارهم بهذا كله ، إذ لوتعدد الإله لفسد نظام العالم . { الله يَبسُطُ الرِزْقَ لمن يشاءُ من عباده } هاجر أو أقام في بلده ، { ويقدرُ له } ويضيق عليه ، أقام أو هاجر ، فالضمير في { له } لمن يشاء لأنه مبهم غير معين ، { إن الله بكل شيء عليم } يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم ، فمنهم من يصله الفقر ، ومنهم من يُفسده ، ففي الحديث القدسي : " إن من عبادي من لا يُصلح إيمانه إلاَّ الغنى ، ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ذلك " ذكره النسفي . { ولئن سألتهم من نزَّل من السماءِ ماء فأحيا به الأرضَ من بعد موتها ليقولن اللهُ } معترفين بأنه الموجد للكائنات بأسرها ، أصولها وفروعها ، ثم إنهم يُشركون به بعض مخلوقاته الذي هو أضعف الأشياء . { قل الحمد لله } على إظهار قدرته ، حتى ظهرت لجميع الخلق ، حتى أقرت بها الجاهلية الجهلاء . أو : على ما عصمك مما هم عليه ، أو : على تصديقك وإظهار حجتك ، أو : على إنزاله الماء لإحياء الأرض ، { بل أكثرُهُم لا يعقلون } لا عقول لهم ، فلا يتدبرون فيما يُريهم من الآيات ويقيم عليهم من الدلالات . والله تعالى أعلم . الإشارة : الرزق مضمون بيد من أَمْرُهُ بين الكاف والنون ، لا يزيد بحرص قوي ، ولا ينقص بعجز ضعيف ، بل قد ينعكس الأمر ، كما الشاعر : @ كَمْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ في تقلبه ترى عَنْهُ أَمْرَ الرَّزْقِ يَنْحَرفُ وكم ضعيفٍ ضعيفٍ في تصرفه كأنه من خليجِ البحرِ يَغْتَرِفُ @@ وقد يبسطه الله لأهل الغفلة والبُعد ، ويقدره لأهل الولاية والقُرب ، كما قال القائل : @ اللهَ يَرْزُق قَوْماً لاَ خَلاَقَ لَهُمْ مِثْلَ الْبَهَائِمِ في خَلْقِ التَّصَاوِيرِ لَوْ كَانَ عَنْ قُوَّةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ طَارَ البُزَاةُ بِأرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ @@ وقال عليه الصلاة والسلام - في بعض خطبه - : " أيها الناس ، إن الرزق مقسوم ، لن يعدو امْرُؤٌ ما كُتِبَ له ، فاتقوا الله ، وأَجْمِلُوا في الطَلَبِ . وإن الأمر محدود ، لن يجاوز أحد ما قُدر له ، فبادروا قبل نفود الأجل ، وإن الأعمال محصاة ، لن يُهْمَلَ منها صغيرةٌ ولا كبيرةٌ ، فأكثروا من صالح الأعمال … " الحديث . وقال صلى الله عليه وسلم : " لو توكلتمْ على الله حقَّ توكلِهِ ، لرَزقتم كما تُرزق الطير تغدو خِمَاصاً وتروح بِطَانا " . ثم حقر الدنيا وعظّم الآخرة ، فقال : { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ … } .