Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 64-66)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { وما هذه الحياةُ الدنيا إلا لهوٌ ولعب } أي : وما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها ، إلا كما يلعب الصبيان ساعة ، ثم يفترقون متعبَين بلا فائدة . وفيه ازدراء بالدنيا وتحقير لشأنها ، وكيف لا يحقرها وهي لا تزن عنده جناح بعوضة ؟ واللهو : ما يتلذذ به الإنسان ، فيلهيه ساعة ، ثم ينقضي . { وإنَّ الدار الآخرة لهي الحيوان } ، أي : الحياة الحقيقية لأنها دائمة . والحيوان : مصدر ، وقياسه : حيَيَان ، فَقَلَبَ الياءَ الثانية واواً . ولم يقل : لهي الحياة لِمَا في بناء فَعَلاَن من معنى الحركة والاضطراب . وفي المصباح : الحيوان : مبالغة في الحياة ، كما قيل : للموت الكثير مَوَتَان . هـ . { لو كانوا يعلمون } حقيقة الدارين لَمَا اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي . { فإذا رَكِبُوا في الفلك } ، هو مرتب على محذوف ، دل عليه ما وصفهم به قَبْلُ ، والتقدير : هم على ما هم عليه من الشرك والعناد ، وإذا ركبوا في الفلك { دَعَوا الله مخلصين له الدين } ، أي : كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين ، حيث لا يذكرون إلا الله ، ولا يدعون معه إلهاً آخر ، { فلما نجاهم إلى البر } ، وأمنوا من الغرق ، { إذا هم يُشركون } ، أي : عادوا إلى حال الشرك ، { ليكفروا بما آتيناهم } من النعمة ، { وَلِيَتَمَّتعوا } باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها . واللام فيهما : إما لاَمُ كي ، أي : يعودون إلى شركهم ليكونوا به كافرين بنعمة النجاة ، قاصدين التمتع بها والتلذذ لا غير على خلاف عادة المؤمنين المخلصين فإنهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى توحيده وطاعته لا إلى التلذذ والتمتع . أو : لام الأمر ، علة وجه التهديد ، كقوله : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] ، ويقويه : قراءةُ مَنْ سَكَّنَ الثانية ، أي : ليكفروا وليتمتعوا { فسوف يعلمون } تدبيرهم عند تدميرهم . الإشارة : الدنيا عند أهل الجد والاجتهاد جد ، يتوصلون فيها إلى معرفة الحق ، ويترقون منها إلى أسرار ومعارف لا يحصرها عقل ولا يحيط بها نقل ، لأن في هذه الدار : عرفه من عرف ، وجَهِلَهُ من جهله . والترقي عند العارفين فيها أكثر لأنه يسير بين جلاله وجماله ، وهناك ليس إلا الجمال ، والترقي بين الضدين أعظم ، فإذا مات بقي يترقى في أنوار الجمال على قدر ما أدرك هنا . والله أعلم . فتحصل أن الدنيا في حق أهل الغفلة لعب ولهو لأنها شغلتهم وغرتهم بزخارفها عن معرفة الله والوصول إليه ، ولذلك حذّر منها صلى الله عليه وسلم ، فقد قال في بعض خطبه : " أيها الناس ، لا تكونوا ممن خَدَعَتْهُ العاجلة ، وغرته الأمنية ، واستهوته الخدعة ، فركن إلى دار سريعة الزوال ، وشيكة الانتقال إذ لن يبقى من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكب ، أو درّ حالب ، فعلام تعرجون ؟ وما تنتظرون ؟ فكأنكم ، والله ، بما قد أصبحتم فيه من الدنيا ، كأن لم يكن ، وما تصيرون إليه من الآخرة ، لم يزل ، فخذوا في الأهْبة لأزُوف النقلة ، وأعدوا الزاد لقرب الرحلة ، واعلموا أن كل إمرىء على ما قَدَّمَ قادِمٌ ، وعلى ما خَلَّفَ نادمٌ " وفي حق أهل الجد جدٌ وحق لأنها مزرعة للآخرة ، ومتجر من أسواق الله ، فيها ربحهم وغنيمتهم . وبالله التوفيق . ثم ذكرهم بما أنعم عليهم ليشكروا ، فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً … }