Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 67-68)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { أَوَلَمْ يَرَوا } أي : أهل مكة { أنا جعلنا } بلدهم { حَرَماً } أي : ممنوعاً مصوناً من الهبب ، { آمِنا } يأمن كل من دخله ، أو آمناً أهله من القتل والسبي ، { ويُتَخَطّفُ الناس من حولهم } أي : يخطف بعضهم بعضاً ، قتلاً وسبياً ، إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب ، { أفبالباطل يؤمنون } أبعد هذه النعمة العظمى يُؤمنون بالأصنام ويعبدونها ، أو : الشيطان ، { وبنعمة الله يكفرون } حيث أشركوا به غيْرَهُ ، أو بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ هو النعمة المهداة ، أو : الإسلام . وتقديم المعمولين للاهتمام ، أو للاختصاص . { ومَنْ أظلمُ } أي : لا أحد أظلم { ممن افترى علىا لله كذباً } بأن جعل له شريكاً ، { أو كذّب بالحق } الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو : الكتاب ، { لمَّا جاءه } أي : لم يتلعثموا في تكذيبه لَمّا سمعوه ، وفي " لَمَّا " ، المقتضية للاتصال ، تسفيه لرأيهم ، حيث لم يتوقفوا ولم يتأملوا قط حين جاءهم ، بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه . { أليس في جهنم مَثْوىً } مقاماً { للكافرين } ، وهو تقرير لمثواهم في جهنم ، لأن همزة الإنكار ، إذا دخلت على النفي ، صار إثباتاً ، كقوله : @ أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا @@ أي : أتم خير من ركب المطايا ، والتقدير : ألا يستوجبون الثوى فيها ؟ وقد افتروا مثل هذه العظيمة ، كذبوا على الله وكذّبوا بالحق الذي جاء من عنده ، أو : ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين ؟ حين اجترأوا مثل هذه الجرأة ، بل لهم فيها مثوى وإقامة . وهذه الآية في مقابلة قوله : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } [ العنكبوت : 58 ] . لا سيما في قراءة الثاء . والله تعالى أعلم . الإشارة : الحرم الآمن ، في هذه الدار ، هو التبتل والانقطاع عن الدنيا وأبنائها ، والتجريد من أسبابها ، فمن دخله أَمِنَ ظاهراً وباطناً ، ومن هجرها ، وترك الناس حوله يتخطفون ويتهارجون عليها ، وهو يتفرج عليهم ، فالدنيا جيفة والناس كلابها ، فإن خالطتهم ناهشوك ، وإن تركت لهم جيفتهم سَلِمتَ منهم ، فمن كذّب بهذا فقد كذَّب بالحق وآمن بالباطل ، فلا أحد أظلم منه . وبالله التوفيق . ثم ذكر مآل أهل الجدّ والاجتهاد ممّن تبتّل وانقطع إلى الله فقال : { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا … }