Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 104-104)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : مِنْ : للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فُروض الكفاية إذ لا يصلح له كُلُّ أحد ، أو للبيان ، أي كونوا أمة تأمرون بالمعروف ، كقوله : { كُنتُمْ خَيْرُ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرونَ بِالْمَعْرُوفِ } [ آل عِمرَان : 110 ] الخ ، و { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } عطف على الخبر ، من عطف الخاص على العام للإيذان بفضله . { يقول الحقّ جلّ جلاله } : { ولتكن منكم } يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم { أمة } أي : طائفةً { يدعون إلى الخير } ، وهو كل ما فيه صلاحٌ ديني ، أو دنيوي إذ كان يؤول إلى الديني ، أو صلاح قلبي أو روحاني ، { ويأمرون بالمعروف } وهو ما يستحسنه الطبع ويرتضيه الشرع ، { وينهون عن المنكر } وهو كل ما ينكره الطبعُ السليم والشرع المستقيم ، فمن فعل ذلك فأولئك { هم المفلحون } المخصوصون بكمال الفلاح . رُوِيَ عنه عليه الصلاة والسلام : أنه سئل مَنْ خير الناس ؟ فقال : " آمرُهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأتقاهم الله ، وأوصلهم للرحم " وقال أيضاً : " مَنْ أمَرَ بالمَعْروفِ ونَهَى عَنِ المُنْكَرِ كان خَلِيفَةَ اللّهِ في أرْضِهِ وخَلِيفَةَ رَسُولِه وخَلِيفَةَ كِتَابِه " وقال عليّ رضي الله عنه : أفضل الجهاد : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنئان الفاسقين - أي بغضهم - فمن أمر بالمعروف شدَّ ظهرَ المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرْغَمَ أنف المنافق ، ومن شَنَأَ الفاسقين وغَضب لله غَضبَ الله له . وقال أبو الدرداء : لتأمُرُن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليُسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً ، لا يُجِلُّ كبيركم ، ولا يرحم صغيركم ، ويدعو عليه خيارُكم فلا يستجاب لهم ، ويَسْتنصِرون فلا يُنصرون ، ويستغفرون فلا يغفر لهم . وقال حذيفة : يأتي على الناس زمان لأن تكون فيه جيفة حمار ، أحب إليهم من مؤمنٍ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر . وللمتصدِّي له شروط : العلم بالأحكام ، ومراتب الاحْتِسَاب وكيفية إقامتها ، والتمكن من القيام بها ، ولذلك خاطب الحق تعالى الجميع ، وطلب فعل بعضهم ، إذ لا يصلح للقيام به إلا البعض ، كما هو شأن فرض الكفاية ، إذ هو واجب على الكل ، بحيث لو تركوه لعوقبوا جميعاً ، لكنه يسقط بفعل البعض . والأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً ، على حسب ما يأمر به ، والنهي عن المنكر واجب كله لأن جميع ما أنكره الشرع حرام . وأما المكروه فليس بمنكر ، فيستحب الإرشاد إلى تركه . والأظهر أن العاصي يجب أن ينهى عما يرتكبه هو لأنه يجب عليه تركه ، فلا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر . وقد قال عليه الصلاة والسلام : " مُرُوا بالمَعْرُوفِ وإن لَمْ تَعمَلُوا بِكُلِّهِ ، وانْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وإنْ لم تَنْتَهُوا عنه كُلهُ " . الإشارة : { ولتكن منكم أمة } أي : طائفة ينهض حالهم ويدلُّ على الله مقالهم ، يدعون إلى الخير العظيم ، وهو شهود ذات السميع العليم ، ويأمرون بالمعروف بالهمة العلية ، وينهون عن المنكر بالحال القوية ، فكلُّ من رآهم بالصفا ائتمر وانتهى ، وكل من صحبهم بالوفاء أخذ حظه من الغنى بالمكيال الأوفى ، إن لله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، فهؤلاء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالحال دون المقال . يُحكى أن بعض الشيوخ مرَّ مع أصحابه بقوم يشربون الخمر تحت شجرة فأراد أصحابه أن يُغيروا عليهم ، فقال لهم : إن كنتم رجالاً فَغِيرُوا عليهم بحالكم دون مقالكم ، فتوجهوا إلى الله بهممهم ، فإذا القوم قد كسروا الأواني ، وجاءوا إلى الشيخ تائبين . وكذلك قضية معروف الكرخي مع أصحاب السفينة ، الذي كانوا مشتغلين باللهو واللعب ، فقال له أصحابه : ادع عليهم ، فقال : اللهم كما فرَّحتَهم في الدنيا ففرِّحْهُم في الآخرة ، فتابوا على يده جميعاً . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .