Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 105-109)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { يوم } متعلق بالاستقرار في خبر { أولئك } ، أو باذكر محذوفة ، وقوله : { أكفرتم } : محكي بقول محذوف جواب { أما } ، أي : فيقال لهم : أكفرتم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا تكونوا } كاليهود والنصارى الذين { تفرقوا } في التوحيد والتنزيه ، { واختلفوا } في أحوال الآخرة ، قال عليه الصلاة والسلام : " افْتَرقَتِ اليَهُودُ على إِحْدَى وسَبْعِين فرقَةً ، وافْتَرقَت النَّصارَى عَلَى ثَنْتَيْنِ وسَبْعِين فِرقَةٌ ، وستفترق أمتي على ثلاثٍ وسَبْعِينَ فِرْقةً ، كلُّها في النَّارِ إلا وَاحِدةً . قيل : ومَنْ تلك الواحدة ؟ قال : ما أَنَا وأَصْحابِي عَلَيْه " وهذا الحديث أصح مما تقدم ، والصحابة يروْوُن الحديث بالمعنى ، فلعلَّ الأول نسي بعض الحديث . والله أعلم . ثم إن النهي مخصوص بالتفرق في الأصول دون الفروع ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " اخْتلاَفُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ " ، ولقوله : " من اجْتَهَدَ وأصَابَ فله أجْرَانِ ، ومن اجْتَهدَ وأخطَأَ فَلَهُ أجْرٌ وَاحد " . ثم إن أهل الكتاب تفرقوا { من بعد ما جاءهم البينات } أي : الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه ، { وأولئك لهم عذاب عظيم } ، يستقر لهم هذا العذاب { يوم تبيض وجوه } المؤمنين المتقين على التوحيد ، { وتسود وجوه } الكافرين المتفرقين فيه ، أو تبيض وجوه المخلصين وتسود وجوه المنافقين ، أو تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة . وبياض الوجوه وسوادها كِنَايتَان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه ، وقيل : يُوسَم أهل الحق ببياض الوجوه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه ، وأهل الباطل بأضداد ذلك . { فأما الذين اسودت وجوههم } فيقال لهم يومئذ : { أكفرتم } بمحمد - عليه الصلاة والسلام - بعد ظهوره ، { بعد إيمانكم } به قبل ظهوره ، وهم اليهود أو أهل الردة ، آمنوا في حياته صلى الله عليه وسلم وكفروا بعد موته . أو جميع الكفار ، آمنوا في عالم الذر وأقروا على أنفسهم ، ثم كفروا في عالم الشهادة ، ويقال لهم أيضاً : { ذوقوا العذاب } بسبب ما كنتم { تكفرون } . { وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله } أي : جَنته ، { هم فيها خالدون } . وعبَّر بالرحمة عن الجنة تنبيهاً على أن المؤمن ، وإنْ استغرق عمره في طاعة الله - تعالى - ، لا يدخل الجنة إلا برحمة الله وفضله ، وكان حق الترتيب أن يقدم حِلية المؤمنين لتقدُّم ذكرهم ، لكن قصد أن يكون مطلعُ الكلام ومقطعُه حليةَ المؤمنين وثوابهم . { تلك آيات الله } الواردة في وَعْده وَوَعِيدِه ، { نتلوها عليك } متلبسة { بالحق } لا شبهة فيها ، فقد أعذر وأنذر ، { وما الله يريد ظلماً للعالمين } إذ لا يحق عليه شيء فيظلم بنقصه ، ولا يُمنع من شيء فيظلم بفعله ، كما بيَّنه بقوله : { ولله ما في السماوات وما في الأرض } ملكاً وخلقاً وعبيداً ، فيجازي كلا بما وَعَدَه ، وأوْعَدَه ، { وإلى الله ترجع الأمور } كلها فيتصرف على وفْقِ مراده وسَابق مشيئته ، { لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ } [ الأنبيَاء : 23 ] . الإشارة : قد نهى الله - تعالى - أهل الجمع عن التشبه بأهل الفرق ، في اختلاف قلوبهم ووجوههم وآرائهم وأنظارهم ، من بعد ما جاءتهم الدلائل الواضحات على طلب جمع القلب على الله ، والتودد في الله ، وصرف النظرة في شهود الله ، وأولئك المفترقون لهم عذاب عظيم ، وأيّ عذاب أعظم من الحجاب ؟ يوم تبيض وجوه العارفين ، فتكون كالشمس الضاحية ، يسرحون في الجنان حيث شاءوا ، وتسود وجوه الجاهلين لما يعتريها من الندم ، وسوادها باعتبار وجوه العارفين في النقص عنها ، وإن كانت مُبْيَضَّةً بنور الإيمان ، لكن فاتهم نور الإحسان ، فيقال : أكفرتم بالخصوصية في زمانكم ، بعد إيمانكم بها فيمن سلف قبلكم ؟ فذوقوا عذاب القطيعة عن شهود الحبيب في كل حين ، وأما الذين ابيضت وجوههم وأشرقت بنور البقاء ، ففي رحمة الله ، أي : جنة المعارف { فِى مَقْعَدٍ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر } [ القَمَر : 55 ] ، فقد اتضحت الطريق ، وظهرت أعلام التحقيق ، لكن الهداية بيد الله ، كما أنَّ الأمور كلها بيده ، يهدي مَن يشاء ويضل من يشاء ، { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فُصّلَت : 46 ] . وبالله التوفيق .