Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 118-120)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : بطانة الرجل : خواصه الذين يطلعهم على باطنه وسره ، وسميت بطانة تشبيهاً لها بالثوب الذي يلي بطنه كالشعار . قال عليه الصلاة والسلام : " الأَنْصَارَ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ " وهي اسم تطلق على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث . والألو : التقصير ، وأصله : أن يتعدى بالحرف ، تقول : لا آلو في نصحك أي : لا أقصر فيه . ثم عدي إلى مفعولين ، كقولهم : لا آلوك نصحاً ، على تضمن معنى المنع أو النقص . والخبال : الفساد . و { ما عنتم } : مصدرية ، والعنت : التعب والمشقة ، والأنامل : جمع أنملة - بضم الميم وفتحها - ، والضير والضر واحد . ومضارع الأول : يضير ، والثاني : يضر ، وهو هنا مجزوم ، وأصله : يضرُركم ، نقلت حركة الراء إلى الضاد ، وضمت الراء ، إتباعاً لحركة الضاد طلباً للمشاكلة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة } أي : أصدقاء وأصفياء ، تطلعونهم على سركم ، وهم { من دونكم } ليسوا على دينكم ، فإنهم { لا يألونكم خبالاً } أي : لا يقصرون جهدَهم في إدخال الفساد بينكم بالتخليط والنميمة وإطلاع الكفار على عورتكم . نزلت في رجال من المسلمين ، كانوا يصلون رجالاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة ، أو في المنافقين كان يصلهم بعض المسلمين . ثم وصفهم بأوصاف توجب التنفير منهم فقال : { ودوا ما عنتم } أي : تمنوا عنتكم وهلاككم وضلالكم ، { قد بدت البغضاء من أفواههم } أي : ظهرت أمارة العداوة من أفواههم بالوقيعة في المسلمين ، أو بإطلاع المشركين على عوراتهم ، أو في كلامهم مع المسلمين بالغيظ ، لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم ، { وما تخفي صدورهم } من العداوة والبغضاء ، { أكبر } مما أظهره ، لأن ظهوره منهم ليس عن روية واختيار ، بل من غلبة غيظ واضطرار . { قد بيّنَا لكم } أيها المؤمنون { الآيات } الدالة على مجانبة الكافرين ومولاة المؤمنين ، { إن كنتم تعلقون } ما يُبين لكم . { هأنتم } يا هؤلاء المخاطبين { تحبونهم } لما بينكم من المصاهرة والصداقة ، { ولا يحبونكم } لما بينكم من مخالفة الدين ، أو تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر ، وأنتم { تؤمنون بالكتاب } أي : بجنس الكتب ، { كله } أي : بالكتب كلها ، وهم لا يؤمنون بكتابكم ، فكيف تحبونهم وهم يكذبون كتابكم ورسولكم ؟ وهم أيضاً ينافقونكم { إذَا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا } مع أنفسهم { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } لما يرون من ائتلاف المؤمنين ، ولم يجدوا سبيلاً إلى التشفي فيكم ، وهذه كناية عن شدة حقدهم ، وإن لم يكن ثَمَّ عض في الخارج . قال لهم الحقّ جلّ جلاله : { قل } لهم يا محمد : { موتوا بغيظكم } فإنما ضرر غيظكم عليكم ، أو دوموا على غيظكم حتى تموتوا عليه ، فإن مادة الإسلام لا تزال تنمو حتى تهلكوا ، { إن الله عليم بذات الصدور } أي : بحقيقة ما في قلوبكم من البغضاء والحَنَقَ ، أو بما في القلوب من خير أو شر . هو من مقول الرسول لهم ، أو من كلام الله تعالى ، استئناف ، أي : لا تعجب من إطلاعي إياك على أسرارهم ، فإني عليم بالأخفى من ضمائرهم . ومن فرط عداوتهم أنهم { إن تمسسكم حسنة } كنصر وغنيمة { تسوءهم } أي ، تحزنهم ، { وإن تصبكم سيئة } كهزيمة أو قتل أو إصابة عدو منكم او اختلاف بينكم ، { يفرحوا بها وإن تصبروا } على عداوتهم وأذاهم ، وتخافوا ربكم ، { وتتقوا } ما نهاكم عنه ، { لا يضركم كيدهم شيئاً } ، بفضل الله وحفظه ، الموعود للصابرين والمتقين ، { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [ البقرة : 153 ] ، { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ } [ النحل : 128 ] . ومن كان الحق معه لا يضره شيء ، { إن الله بما يعملون محيط } لا يخفى عليه ما يعمل أهل الكفر من العداوة والحقد ، فيجازيهم عليه . الإشارة : لا ينبغي لأهل الخصوصية أن يتخذوا بطانة من دونهم من العامة حتى يطلعوهم على سرهم ، فإن الإطلاع على السر ، ولو كان غير الخصوصية ، كله ضعف في العقل ووهن في الرأي ، وفي ذلك يقول القائل : @ من أطْلَعَ الناسَ على سره استحقَّ الكيَّ على جَبْهَتِه @@ وأما سر الربوبية فإفشاؤه لغير أهله حرام ، والعامة مضادون لأهل الخصوصية ، لا يألونهم خبالاً في قلوبهم وتشتيتاً لفكرتهم ، إذا صحبوهم يودون أن لو كانوا مثلهم في العنت وتعب الأسباب ، فإذا ظهر بالفقراء نقص أو خلل ظهرت البغضاء من أفواههم ، وما تحفى صدورهم أكبر ، فإن كنتم أيها الفقراء تحبون لهم الخير فإنهم بعكس ذلك ، وإن كنتم تقرون شريعتهم فإنهم لا يؤمنون بحقيقتكم ، بل ينكرونها عليكم ، ومنهم من يتصف بالنفاق ، إذا لقي أهل الخصوصية أظهر التصديق والمحبة ، وإذا خلا مع العامة أظهر العداوة والحَنَق ، وإن تمسسكم أيها الفقراء حسنة ، كعز وفتح وشهود ومعرفة تَسؤْهم ، وإن تصبكم سيئة كمحنة أو بلية ، يفرحوا بها ، وإن تصبروا على أذاهم وجفوتهم ، وتتقوا شهود السوى فيهم ، لا يضركم كيدهم شيئاً { إن الله بما يعملون محيط } .