Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 121-122)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر يا محمد حين { غدوت من أهلك } من منزل عائشة ، الذي نَزَلْتَ فيه بأحد ، حين خرجت بها ، حال كونك { تبوئ المؤمنين } أي : تهيئ لهم ، { مقاعد للقتال } أي : مواقف وأماكن يقفون فيها للحرب { والله سميع } لأقوالكم ، { عليم } بإخلاصكم . قال الواقدي : خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من منزل عائشة - رضي الله عنها - ماشياً على رجليه إلى أُحد ، فجعل يصف أصحابه للقتال كأنما يقوم بهم القدح . أن رأى صدراً خارجاً ، قال : تأخر . وذلك أن المشركين نزلوا بأحد ، يوم الأربعاء ، فلما سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم بنزولهم استشار أصحابه ، ودعا عبد الله بن أُبي بن سلول - ولم يدْعُه قط قبلها - فاستشاره ، فقال عبد الله بن أبي وأكثر الأنصار : يا رسول الله أَقِمْ بالمدينة ولا تخرجْ إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ، ولا دخل علينا إلا أصابنا منه ، فكيف وأنت فينا ! فدعهم يا رسول الله ، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة ، وإن رجعوا رجعوا خاسئين . فأعجب النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا الرأي ، وقال بعض أصحابه ، يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكْلُب ، لا يرون أنا جَبُنَّا عنهم وضعفنا . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إِنِّي رأيتُ في منامِي بَقَراً تذبح ، فأولتها ناساً من أصحابي يُقتلون ، ورأيت في ذُبابِ سَيْفي ثلماً ، فأولتها هزيمةً ، ورأيت أني أدخل يدي في درع حصينة ، فأولتها المدينة . فإن رأيتُمْ أن تُقيموا بالمدينة وتَدَعُوهُمء فافعلوا " فقال رجال ممن فاتهم بدر ، وأكرمهم الله بالشهادة يوم أحد : اخرج بنا إلى أعدائنا ، وبالغوا ، حتى دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم ولبس لأمته . فلما رأوه قد لبس سلاحه ندموا ، وقالوا : بئس ما صنعنا ، نشير على النبيّ صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه ، فقاموا واعتذروا إليه . وقالوا : اصنع ما رأيتَ ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لا يَنْبَغِي لنَبِي أَنْ يلبَس لأمَتَهُ فيَضَعَهَا حتَى يُقاتِلَ " . فخرج بعد صلاة الجمعة ، وأصبح بشعب من أُحُد ، يوم السبت للنصف من شوال ، سنة ثلاث من الهجرة ، ونزل في عدوة من الوادي ، وجعله ظهره وعسكره إلى أحد ، وسوى صفهم كما تقدم ، وأمَّرَ عبد الله بن جبير على الرماة ، وقال : انضحوا عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلقنا ، فكان من أمر الله ما كان ، على ما يأتي . وخرج مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد زهاء ألف ، ووعدهم النصر إن صبروا ، فلما بلغوا الشواط - موضع - انخزل ابنُ أُبيّ في ثلاثمائة ، وقال : علام نقتل أنفسنا ! فتبعهم أبو جابر السلمي ، فقال : أُنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم . فقال ابن أُبيّ : لو نعلم قتالاً لاتبعناكم ، وهمت بنو حارثة وبنو سلمة بالانصراف معه ، فثبتوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكرهم نعمته بقوله : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما } وناصرهما ، حيث عصمهما من اتباع المنافقين ، قال جابر : ما يسرنا أنها لم تنزل ، لقوله : { والله وليهما } فبنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } لا على غيره ، إذ لا ناصر غيره . الإشارة : من شأن شيوخ التربية أن يَدُلُّوا المريدين على محاربة النفوس ومقاتلتها ، ويطلعوهم على دسائسها ومخادعتها ، ليهيئوا لهم بذلك مقاعد لقتالها ، والله مطلع على إخلاصهم ونياتهم ، فمنهم من يمل ويكل ، فيرجع إلى وطن عوائده ، ومنهم من يصبر حتى يفوز بالغنيمة العظمى والسعادة القصوى ، وفي ذلك يقول القائل : @ وبَالَغَوا في الجدِّ حتى مَلَّ أكثرهُم وعَانَقَ المجْدَ مَنْ وَافَى ومَنْ صَبَرَا @@ قال بعضهم : انتهى سير السائرين إلى الظفر بنفوسهم ، فإن ظفروا بها وصلوا . هـ . ومنهم من يلحقه الملل والفشل فيهم بالانصراف والرجوع ، ثم يثبته الله تعالى وينصره ، فيلحق بالصابرين السابقين ، وعمدة المريد في مجاهدة نفسه : التوكل على الله والاعتماد عليه دون شيء سواه " من علامة النجح في النهايات : الرجوع إلى الله في البدايات " . { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .