Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 140-143)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : القرح - بالفتح والضم - : الجرح ، وقيل : بالفتح : الجرح ، وبالضم : ألمه ووجعه . والمداولة : المفاعلة من الدولة ، وهي الغلبة ، و { الأيام } : نعت أو خبر ، و { نداولها } : خبر أو حال ، و { ليعلم } : متعلق بمحذوف ، أي : وفعل ما فعل من الادالة ليعلم ، أو عطف على علة محذوفة ، أي : نداولها ليكون كيت وكيت ، وليعلم … الخ ، إيذاناً بأن العلة فيه غير واحدة ، وأن ما يصيب المؤمن : فيه من المصالح ما لا يُعلم ، و { يعلم الصابرين } : منصوب بأن ، على أنَّ الواو للجمع . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إن يمسسكم } في غزوة أحد { قرح } كقتل أو جرح ، { فقد مس القوم } من أعدائكم يوم بدر { قرح مثله } ، فإن كان قُتل منكم خمسة وسبعون يوم أحد ، فقد قتل منهم يوم بدر سبعون وأسُرَ سبعون : أو : { فقد مسّ القوم } يوم أحد { قرح } مثل ما أصابكم ، فإنكم نلتم منهم وهزمتموهم ، قبل أن تخالفوا أمر الرسول - عليه الصلاة - ، كما نالوا منكم يومئذ . { وتلك الأيام نداولها بين الناس } أي : نُصرف دولتها بينهم ، فنديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى ، كما قال الشاعر : @ فَيَوْمٌ عَلَيْنَا ويَوْمٌ لنَا ، ويَوْمٌ نُسَاءُ ، ويَوْمٌ نُسَرْ @@ فقد أديل المسلمون على المشركين يوم بدر ، فكانت الدولة لهم ، وأديل المشركون يوم أحد . والمراد بالأيام : أيام الدنيا ، أو أيام النصر والغلبة . وإنما أديل للمشركين يوم أحد ليتميز المؤمنون من المنافقين ، ويظهر علمهم للناس ، وليتخذ الله { منكم شهداء } حين ماتوا في الجهاد ، أكرمهم الله بالشهادة ، ولا تدل إدالة المشركين على أن الله يحبهم ، فإن الله { لا يحب الظالمين } . وإنما أدلهم { ليمحص الله الذي آمنوا } أي : ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب ، وأنما أدال المسلمين على المشركين ليمحق الكافرين ويقطع دابرهم . والمحق : نقص الشيء قليلاً قليلاً . ثم عاتب المسلمين فقال : { أم حسبتم } أي : ظننتم { أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } علم ظهور ، { ويعلم الصابرين } أي : لا تظنوا أن تدخلوا الجنة كما دخلها مَنْ قُتل منكم ، ولم يقع منكم مثل ما وقع لهم من الجهاد والصبر على القتل والجرح حتى يقع العلم ظاهراً بجهادكم وصبركم . { ولقد كنتم } قبل خروجكم إلى الجهاد { تمنون الموت } أي : الحرب لأنه سبب الموت ، وتقولون : ليت لنا يوماً مثل يوم بدر ، فلقد لقيتموه وعينتموه يوم أحد { وأنتم تنظرون } من مات من إخوانكم ، فما لكم حين رأيتموه جبنتم وانهزمتم ؟ وهو عتاب لمن طلب الخروج يوم أحد ، ثم انهزم عن الحرب ، ثم تداركهم بالتوبة والعفو ، على ما يأتي إن شاء الله . والله تعالى أعلم . الإشارة : إن يمسسكم يا معشر الفقراء قرح كحبس أو ضرب أو سجن أو حَرج أو جلاء ، فقد مس العموم مثل ذلك ، غير أنكم تسيرون به إلى الله تعالى لمعرفتكم فيه ، وهم لا سير لهم لعدم معرفتهم ، أو إن يمسسكم قرح فقد مسَّ القوم المتقدمين من أهل الخصوصية مثل ما أصابكم ، ففيهم أسوة لكم ، وهذه عادة الله في أوليائه ، يديل عليهم حتى يتطهروا ويتخلصوا ، ثم يُديل لهم ، وإنما أديل عليهم حتى تيطهروا ويتخلصوا ، ثم يُديل لهم ، وإنما أديل عليهم أولاً ليتطهروا من البقايا وتكمل فيهم المزايا ، وليعلم الصادق في الطلب من الكاذب ، فإنَّ محبة الله مقرونة بالبلاء ، وليتخذ منهم شهداء إن ماتوا على ذلك ، كالحلاج وغيره ، أو يتخذ منهم شهداء الملكوت إن صبرا حتى ظفروا بالشهود . { والله لا يحب الظالمين } أي : المؤذين لأولياءه ، بل يمقتهم ويبعدهم . { وليمحص الله الذي آمنوا } بطريق الخصوص ، أي : يخلصهم من بقايا الحس ، سلط عليهم الناس ، وليَمحق المنكرين عليهم بما يصيبهم من إذايتهم ، فإن المنكر على أهل النسبة كمن يدخل يده في الغيران ، فإذا سلم من الأول والثاني ، قال : لا يلحقني منهم شيء ، فإذا أدخل يده في غار آخر لدغته حية فأهلكته . أم حسبتم يا معشر المريدين أن تدخلوا جنة المعارف ، ولما يعلم الله الذين جاهدوا نفوسهم ، ويعلم الصابرين على إيذاية من آذاهم ، ولقد كنتم تمنون موت نفوسكم وتطلبون ما يعينكم على موتها من قبل أن تلقوا الجلال ، فقد رأيتموه وعاينتموه وأنتم تنظرون ما أصاب الأولياء غيركم ، فما لكم تجزعون منه وتفرون من مواطنه ؟ . وكان شيخ شيوخنا رضي الله عنه يقول : العجب كل العجب ، ممن يطلب معرفة الله ، فإذا تعرف إليه أنكره . وفي الحِكَم : " إذا فتح الله لك وجهة من التعرف فلا تبال معها ، وإن قلَّ عملك ، فإنه ما فتحها إلا وهو يريد أن يتعرف إليك فيها ، ألم تعلم أن التعرف هو مورده عليك ، والأعمال أنت مهديها إليه ، وأين ما تهديه إليه مما هو مورده عليك ؟ " . وبالله التوفيق .