Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 152-152)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : حسَّه : إذا قتله وأبطل حسه ، وجواب { إذا } : محذوف ، أي : حتى إذا فشلتم وتنازعتم وعصيتم امتحناكم بالهزيمة ، والواو لا ترتب ، والتقدير : حتى إذا تنازعتم وعصيتم وفشلتم سلبنا النصر عنكم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولقد صدقكم الله } ما وعدكم من النصر لو صبرتم واتقيتم ، وذلك حين كنتم { تحسونهم } بالسيف ، وتقتلونهم حتى انهزموا هاربين ، بإذنه تعالى وإرادته ، { حتى إذا فشلتم } أي : جبنتم وضعف رأيكم وملتم إلى الغنيمة ، { وتنازعتم } في الثبات مع الرماة حين انهزم المشركون ، فقلتم : الغنيمةَ الغنيمةَ ، فما وقوفكم هنا ! وقال آخرون : لا تخالفوا أمر الرسول ، ثم تركتم المركز ، { وعصيتم الرسول من بعد ما أراكم ما تحبون } من النصر والغنيمة ، امتحناكم حينئذ بالهزيمة . فمنكم { من يريد الدنيا } ليصرفها في الآخرة ، وهم الذين خالفوا المركز وذهبوا للغنيمة ، { ومنكم من يريد الآخرة } صِرفاً ، وهم الثابتون مع عبد الله بن جبير ، محافظةً على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { ثم صرفكم عنهم } حين خالفتم أمر الرسول ، { ليبتليكم } أي : ليختبركم ، فيتبين الصابر من الجازع ، والمخلص من المنافق ، { ولقد عفا عنكم } فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة ، لاستحقاقكم ذلك ، أو تجاوز عن ذنبكم وتفضل بالتوبة والمغفرة ، { والله ذو فضل } عظيم { على المؤمنين } يتفضل عليهم بالمغفرة في الأحوال كلها ، سواء أديل عليهم أو لهم ، فإن الابتلاء أيضاً رحمة وتطهير . والله تعالى أعلم . الإشارة : يقول للفقراء الذين استشرفوا على بلاد الخصوصية ، ثم فشلوا ورجعوا إلى بلاد العمومية : ولقد صدقكم الله وعده في إدراك الخصوصية لو صبرتم ، فإنكم حين كنتم تجاهدون نفوسكم وتحسونها بسيوف المخالفة ، لمعت لكم أنوار المشاهدة ، حتى إذا فشلتم وتفرقت قلوبكم ، وعصيتم شيوخكم قلَّت أمدادكم ، وأظلمت قلوبكم ، من بعد ما رأيتم ما تحبون من مبادئ المشاهدة ، فملتم إلى الدنيا الفانية ، فمنكم يا معشر المنتسبين من يريد الدنيا ، فصحب العارفين على حرف ، وهو الذي رجع وفشل ، ومنكم من يريد الآخرة وقطع يأسه من الرجوع إلى الدنيا ، وهو الذي ثبت حتى ظفر ، ثم صرفكم عن حصبة العارفين ، يا من أراد الدنيا من المنتسبين ، ليبتليكم ، هل صحبتموهم لله أو لغيره ، ولقد عفا عنكم وجعلكم من عوام المسلمين ، ولم يسلب عنكم الإيمان عقوبة لترك صحبة العارفين . أو لقد عفا عنكم إن رجعتم إلى صحبتهم والأدب معهم ، فإن الله { ذو فضل على المؤمنين } حيث لم يعاجلهم بالعقوبة . وبالله التوفيق . وقال الورتجبي : قوله : { منكم من يريد الدنيا } ، أي : منكم من وقع في بحر غني القدم ، واتصف به بنعت التمكين ورؤية النعم في شكر المنعم ، كسليمان عليه السلام . ومنكم من وقع في بحر التنزيه وتقديس الأزلية ، فغلب عليه القدس والطهارة ، فخرج بنعت الفقر تجريداً لتوحيده وإفرادِ قدمه من الحدث ، كمحمدٍ صلى الله عليه وسلم حيث قال : " الفقر فخري " .