Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 153-153)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إذْ } : ظرف لعفا ، أو اذكر . وأصعد : أبعد في الأرض ، وصعد : في الجبل ، فالإصعاد : الذهاب في الأرض المستوية ، والصعود : الارتقاء في العلو . وقرئ بهما معاً لأنهما وقعا معاً ، فمنهم من فرّ ذاهباً في الأرض ، ومنهم من صعد إلى الجبل . و { لكيلا } : متعلق بأثابكم . يقول الحقّ جلّ جلاله : ولقد عفا عنكم حين كنتم { تُصْعِدُون } عن نبيه - عليه الصلاة والسلام - ، منهزمين عنه ، تبعدون عنه ، { ولا تلوون على أحد } أي : لا يلتفت بعضكم إلى بعض ، ولا ينتظر بعضكم بعضاً ، { والرسول } محمد صلى الله عليه وسلم { يدعوكم في أخراكم } أي : في ساقتكم ، يقول : " إليَّ عباد الله ، أنا رسول الله ، من يكرُّ فله الجنة " ، وفيه مدح للرسول صلى الله عليه وسلم بالشجاعة والثبات ، حيث وقف في آخر المنهزمين ، فإن الآخر هو موقف الأبطال ، والفرار في حقه صلى الله عليه وسلم محال . { فأثابكم } أي : فجازاكم على ذلك الفرار ، { غمّاً } وهو ظهور المشركين عليكم وقتل إخوانكم ، بسبب غم أوصلتموه للنبيّ صلى الله عليه وسلم بعصيانه والفرار عنه ، وقدَّر ذلك { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من الغنيمة ، { ولا } على { ما أصابكم } من الجرح والهزيمة ، لأن من استحق العقوبة والأدب لا يحزن على ما فاته ولا على ما أصابه إذ جريمته تستحق أكثر من ذلك ، يرى ما نزل به بعض ما يستحقه ، فيهون عليه أمر ما نزل به أو ما فاته من الخير . أو يقول : { فأثابكم غمّاً } متصلاً { بغم } فالغم الأول : ما فاتهم من الظفر والغينمة ، والثاني : ما نالهم من القتل والهزيمة ، أو الأول : ما أصابهم من القتل والجراح ، والثاني : ما سمعوا من الإرجاف بقتل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وذلك ليتمرنوا على المحن والشدائد حتى لا يجزعوا من شيء ، وبذلك وصفهم كعب بن زهير في لاميته ، حيث قال : @ لاَ يَفْرَحُونَ إِذا نَالَتْ رِماحُهُمْ وَلَيْسُوا مجازيعاً إذا نِيلُوا @@ فإن المتمرّن على المصائب المتعوّد عليها يهون عليها أمرها ، فلا يحزن على ما أصابه ولا ما فاته ، { والله خبير بما تعملون } وبما قصدتم ، فيجازيكم على ذلك . الإشارة : ما زال الدعاة إلى الله من أهل التربية النبوية يدعون الناس إلى الله ، ويعرفونهم بالطريق إلى الله ، يبنون لهم الطريق إلى عين التحقيق ، والناس يبعدون عنهم ويفرّون منهم ، وهم في أخراهم يقولون بلسان الحال أو المقال : يا عباد الله ، هلم إلينا نعرفُكم بالله ، وندلكم على الله ، فلا يلوي إليهم أحد ولا يلتفت إليهم بشر ، إلا من سبقت له العناية ، وأراد الحق تعالى أن يوصله إلى درجة الولاية ، " سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه " ، فأثابهم على الفرار غم الحجاب ، متصلاً بغم الأسباب ، فلا يحزنوا على ما فاتهم من المعرفة إذ لم يعرفوا قدرها ، ولا على ما أصابهم من الغفلة والبطالة ، إذ لم يتفطنوا لها { والله خبير بما تعملون } يا معشر العباد ، من التودد أو العناد . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .