Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 15-17)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { للذين } : خبر ، و { جنات } : مبتدأ ، وهو استئناف لبيان الخيرية ، والرضوان فيه لغتان : الضم والكسر ، كالعدوان والطغيان ، و { الذين يقولون } : بدل من { الذين اتقوا } ، أو خبر عن مضمر ، أو منصوب على المدح ، أو بدل من العباد ، و { الصابرين } وما بعده : نعت الموصول . يقول الحق جلّ جلاله : { قل } يا محمد : أأخبركم { بخير } من الذي ذكرتُ لكم من الشهوات الفانية واللذات الزائلة ، وهو ما أعد الله للمتقين عند لقاء ربهم ، وهو { جنات تجري من } تحت قصورها الأنهار من الماء واللبن والعسل والخمر ، { خالدين فيها } ، لا كنعيم الدنيا الفاني ، { ولهم فيها أزواج } من الحور العين ، مطهرات من الحيض والنفاس وسائر المستقذرات ، { ورضوان من الله } الذي هو { أكبر } النعم . فانظر : كيف ذكر الحقّ - جلّ جلاله - أدنى النعيم وأوسطه وأعلاه ؟ فأدناه : متاع الدنيا الذي زُين للناس ، وأوسطه : نعيم الجنان ، وأعلاه : رضي الرحمن ، وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ الله تعالى لأهِلْ الْجنَّةِ : يَا أهْلَ الجَنَّةِ ، فيقول أهْلَ الجَنَّةِ : لَبْيكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكِ ، والخير في يديك ، فيقول : هَلْ رضِيتُم ؟ فَيَقُولُونَ : مَالنَا لاَ نَرْضى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا ما لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ العالمين ، فَيَقُولُ : ألا أعْطِيكُم أَفْضَلَ من ذلك ؟ فيقُولون : يا ربنا ، وأيُّ شَيء أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قال : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رَضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُم َبَداً " . { والله بصير بالعباد } لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، فيثيب المحسن ، ويعاقب المسيء ، أو : { بصير } بأحوال المتقين . { الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } . وفي ترتيب السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كاف في استحقاق المغفرة والاستعداد لها . ثم وصف المتقين بقوله : { الصابرين } على أداء الأمر واجتناب النهي ، وفي البأساء والضراء وحين البأس ، { والصادقين } في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، فاستوى سرهم وعلانيتهم ، { والقانتين } أي : المطيعين ، { والمنفقين } أموالهم في سبيل الله ، { والمستغفرين بالأسحار } لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة لأن العبادة حينئذٍ أشق ، والنفس أصفى ، والروح أجمع ، وَلاَ سيما للمتهجدين . قيل : إنهم كانوا يُصلُون إلى السحر ، ثم يستغفرون ويدعون ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى يقول : إني لأهُمُّ بأهل الأرض عذاباً ، فإذا نظرت إلى عُمَّار بيوتي ، وإلى المتهجدين ، وإلى المتحابين فِيَّ ، وإلى المستغفرين بالأسحار ، صرفت عنهم العذاب " . وقال سفيان : إن لله ريحاً يقال لها الصيحة ، تهبُّ وقتَ السحر ، تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبار . قال : وبلَغنا أنه إذا كان أولا لليل ، نادى مناد : ألا ليقم القانتون ، فيقومون يُصلون إلى السحَر ، فإذا كان وقت السحر ، ينادي منادٍ : أين المستغفرون بالأسحار ؟ فيستغفر أولئك ، ويقوم آخرون ، ويُصلون ، فيلحقون بهم ، فإذا طلع الفجر ، نادى منادٍ : ألا ليقم الغافلون ، فيقومون من فرشِهم كالموتى إذا نُشروا من قبورهم . الإشارة : للذين اتقوا شهودَ السّوى عند ربهم جنات المعارف ، تجري من تحتها أنهار العلوم ، وأصناف الحكم ، مطهرة من العلل ، منزهة من الخلل ، تهب عليهم نسيم الرضوان ، تحمل الرَّوُحَ والريحان ، مخلدون في نعيم الشهود والعيان ، والله بصير بعباده المخلصين ، المنزَّهين من العيوب ، المبررَّئين من درن الذنوب ، الصابرين على دوام المجاهدة ، والصادقين في طلب المشاهدة ، والقانتين لأحكام العبودية ، والمنفقين أنفسَهُمْ ومُهَجَهم في طلب مشاهدة أنوار الربوبية ، والمستغفرين من شهود الأغيار ، وخصوصاً إذا هبّ نسيم الأسحار ، فإن كثيراً من العباد والزهاد شغلتهم حلاوة نسيم الأسحار عن مطالعة أسرار الجبار ، وهي أسرار التوحيد .