Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 166-168)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { وقيل لهم تعالوا } : استئناف ، أو معطوف على { نافقوا } ، و { الذين قالوا لإخوانهم } : بدل من الضمير المجرور في { لهم } ، أي وقيل للمنافقين : قاتلوا أو ادفعوا ، ثم فسرهم بقوله : وهم { الذين قالوا لإخوانهم … } الخ . أو من الواو في { يكتمون } ، أو منصوب على الذم ، أو مبتدأ ، والخبر : { قل … } على من يجيز إنشاء الخبر ، و { قعدوا } : جملة حالية ، على إضمار قد . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وما أصابكم } يا معشر المسلمين يوم أحد { يوم التقى } جمع المسلمين وجمع الكفار ، من القتل والجرح والهزيمة ، { فبإذن الله } وقضائه ، لا راد لإمضائه ، { وليعلم } علم ظهور في عالم الشهادة { المؤمنين } والمنافقين فيظهر إيمان هؤلاء وكفر هؤلاء ، وقد ظهر نفاقهم حيث رجعوا مع عبد الله بن أبي ، وكانوا ثلاثمائة . وذلك انَّ ابن أُبيّ كان رأيه ألا يخرج المسلمون إلى المشركين ، فلما طلب الخروجَ قومٌ من المسلمين ، فخرج - عليه الصلاة والسلام - كما تقدم ، غضب ابن أُبيّ ، وقال : أطاعهم وعصاني . فرجع ، ورجع مع أصحابه ، فتبعهم أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام ، وقال لهم : ارجعوا { قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا } ، أي : كثروا سواد المسلمين ، فقال ابنُ أُبيّ - رأس المنافقين - : ما أرى أن يكون قتالاً ، ولو علمنا أن يكون قتال { لاتبعناكم } ، وكنا معكم . قال تعالى : { هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان } لظهور الكفر عليهم من كلامهم ، فأمارات الكفر عليهم أكثر من أمارات الإيمان ، أو : هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، لأن رجوعهم ومقالتهم تقوية للكفار عليهم وتخذيل للمسلمين ، { يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } ، فهم يظهرون خلاف ما يبطنون ، لا تواطئ قلوبهم ألسنتم بالإيمان ، وإضافة القول إلى الأفواه تأكيد وتغليظ ، { والله أعلم } منكم { بما تكتمون } من النفاق لأنه يعلمه مفصلاً بعلم واجب ، وأنتم تعلمونه مجملاً بأمرات . وهؤلاء المنافقون هم { الذي قالوا } في شأن إخوانهم الذي قُتلوا يوم أحد : { لو أطاعونا } وجلسوا في ديارهم { ما قتلوا } ، قالوا هذه المقالة وقد قعدوا عن الخروج ، { قل } لهم يا محمد : { فادْرءوا } أي : فادفعوا { عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } أنكم تقدرون أن تدفعوا القتل عمن كتب عليه ، فادفعوا عن أنفسكم الموت وأسبابه حين يبلغ أجلكم ، فإنه أحرى بكم ، فالقعود لا يُنجي من الموت إذا وصل الأجل ، فإن أسباب الموت كثيرة ، فقد يكون القعود سبباً للموت إن بلغ الأجل ، وقد يكون الخروج سبباً للنجاة إن لم يبلغ . والله تعالى أعلم . الإشارة : وما أصابكم يا معشر الفقراء عند توجهكم إلى الحق فارين من الخلق ، حين استشرفتم على الجمع وجمع الجمع فبإذن الله فإن الداخل على الله منكور ، والراجع إلى الناس مبرور ، وليظهر الصادق من الكاذب ، فإن محبة الله مقرونة بالبلاء والطريق الموصلة إليها محفوفة بالمكاره ، مشروطة بقتل النفوس وحط الرؤوس ، ودفع العلائق ، والفرا من العوائق . فإذا قيل للعوام : قاتلوا أنفسكم في سبيل الله لتدخلوا حضرة الله ، ادفعوا عن أنفسكم العلائق لتشرق عليكم أنوار الحقائق ، قالوا : قد انقطع هذا الطريق واندرست أرباب علم التحقيق ، ولو نعلم قتالاً بقي يُوصلنا إلى ربنا ، كما زعمتم لاتبعناكم ودخلنا في طريقكم . وهم للكفر يومئذ أقرب للإيمان ، حيث تحكموا على القدرة الأزلية ، وسدوا باب الرحمة الإلهية ، وإنما يقولون ذلك احتجاجاً لنفوسهم ، وأبقاء على حظوظهم ، وليس ذلك من خالص قلوبهم ، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم . وإذا نزل بأهل النسبة نكبة أو بلية ، قالوا لأخوانهم ، الذين دخلوا في طريق القوم ، وقد قعدوا هُم مع العوام : لو أطاعونا ولم يدخلوا في هذا الشأن ، ما قتلوا أو عذبوا ، فقل لهم أيها الفقير : القضاء والقدر يجري على الجميع ، فادفعوا عن أنفسكم ما تكرهون ، إن كنتم صادقين أن المكاره لا تصيب إلا من توجه لقتال نفسه . والله تعالى . أعلم بأسرار كتابه .