Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 169-171)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { ألاَّ خَوف عليهم } : بدل من { الذين لم يلحقوا } ، أو مفعول لأجله ، وكرر : { يستبشرون } ليذكر ما تعلق به من الفضل والنعمة ، أو : الأول بحال إخوانهم ، وهذا بحال أنفسهم . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولا تحسبن } أيها الرسول ، أو أيها السامع ، { الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل } هم { أحياء } لأن الله تعالى جعل أرواحهم في حواصل طير خضر ، يسرحون في الجنة حيث شاءوا عند ربهم ، بالكرامة والزلفى ، يُرزقون من ثمار الجنة ونعيمها ، فحالهم حال الأحياء في التمتع بأرزاق الجنة ، بخلاف سائر الأموات من المؤمنين فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حق يدخلوا الجنة . قاله ابن جزي . قلت : شهداء الملكوت - وهم العارفون - أعظم قدراً من شهداء السيوف ، وراجع ما تقدم في سورة البقرة . { فرحين بما آتاهم الله من فضله } من الكرامة والزلفى والنعيم الذي لا يفنى ، { ويسبشرون بالذين لم يلحقو بهم من خلفهم } أي : بإخوانهم الذي لم يُقتلوا فيلحقوا بهم من بعدهم . وتلك البشارة هي : { ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، أو من أجل { ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } . والحاصل : أنهم يستبشرون بما تبين لهم من الكرامة في الآخرة ، وبحال من تركوا من خلفهم من المؤمنين ، وهو أنهم إذا ماتوا أو قُتلوا ، كانوا أحياء ، حياة لا يدركها خوفُ وقوعِ محذور ، ولا حزن فوات محبوب . فالآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس ، بل هو جوهر مُدرِك بذاته ، لا ينفى بخراب البدن ، ولا يتوقف على وجود البدن إدراكه وتألمُه والتذاذه . ويؤيد ذلك قوله تعالى في آل فرعون : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُواً وَعَشِيّاً } [ غَافِر : 46 ] ، وما رَوى ابنُ عباس من أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أرْواحُ الشهداء في أجْوافِ طَيْرِ خَضْرٍ ، تَرِدُ أنْهارَ الجنّةِ ، وتَأكُلُ منْ ثِمارِها ، وتَأوِي إلى قَنَادِيلَ مُعلَّقةٍ في ظلِّ العَرشِ " - قال معناه البيضاوي . ولمّا ذكر استبشارهم بإخوانهم ذكر استبشارهم بما يخصهم فقال : { يستبشرون بنعمة من الله } وهو ثواب أعمالهم الجسماني ، { وفضل } وهو نعيم أرواحهم الروحاني ، وهو النظر إلى وجهه الكريم ، ويستبشرون أيضاً بكونه تعالى { لا يضيع أجر المؤمنين } ، ماتوا في الجهاد أو على فرشهم ، حيث حسنت سريرتهم وكرمت علانيتهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن لله عباداً يصرفهم عن القتل والزلازل والأسقام ، يطيل أعمارهم في حسن العمل ، ويحسن أرزاقهم ، ويحييهم في عافية ، ويميتهم في عافية على الفرش ، ويعطيهم منازل الشهداء " قلت : ولعلهم العارفون بالله ، جعلنا الله من خواصهم ، وسلك بنا مسالكهم . آمين . الإشارة : لا تحسبن الذي بذلوا مُهجهم ، وقتلوا أنفسهم بخرق عوائدها ، وعكس مراداتها ، في طلب معرفة الله ، حتى ماتت نفوسهم ، وحييت أرواحهم بشهود محبوبهم ، حياة لا موت بعدها ، فلا تظن أيها السامع أنهم أموات ، ولو ماتوا حسّاً ، بل هم أحياء على الدوام ، وفي ذلك يقول الشاعر : @ مَوْتُ التَّقِيِّ حَيَاةٌ لا فَنَاءَ لَهَا قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ @@ فهم عند ربهم يشاهدونه مدة بقائهم ، يرزقون من ثمار المعارف وفواكه العلوم ، فرحين بما أتحفهم الله به من القرب والسر المكتوم ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم في المرتبة ممن تعلق بهم وأنهم سيصلون إلى ما وصلوا إليه من معرفة الحي القيوم ، فلا يلحقهم حينئذٍ خوف ولا حزن ولا هم ولا غم ، لما سكن في قلبهم من خمرة محبة الحبيب ، والقرب من القريب المجيب ، وفي ذلك يقول ابن الفارض . @ وإِنْ خَطَرَتْ يوماً علَى خاطِر امْرِئ أقَامَتْ به الأفْرَاحُ ، وارتَحلَ الهمُّ @@ يسبشرون بنعمة أدب العبودية ، وفضل شهود أسرار عظمة الربوبية ، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين المحبين لطريق المخصوصين ، فإن طريق محبة طريق القوم عناية ، والتصديق بها ولاية ، وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق . ولما رجع أبو سفيان من غزوة أُحد ، هو وأصحابه ، حتى بلغوا الروحاء ، ندم وهم بالرجوع ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج في طلبه ، وقال : " لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس " ، فخرج صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً حتى بلغوا حمراء الأسد - وهي على ثمانية أميال من المدينة - وكان بأصحابه القرح ، فتحاملوا على أنفسهم كي لا يفوتهم الأجر ، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين ، فذهبوا .