Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 173-175)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : الموصول بدل من الموصول قبله ، و { يخوف } : يتعدى إلى مفعولين للتضعيف ، حذف الأول ، أي : يخوفكم أوليائه من الكفار ، أو حذف الثاني ، أي : يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج إلى ملاقاة العدو . وهنا تفسيران : أحدهما : أن يكون من تتمة غزوة أحد ، وهو الظاهر ، ليتصل الكلام بما بعده ، وذلك أن أبا سفيان لما هَمّ بالرجعة ليستأصل المسلمين ، لقيه معبد الخزاعي ، فقال له : إن محمداً خرج يطلبك في جمع لم أرَ مثله ، فدخله الرعب ، فلقيه ركب من عبد القيس يريد المدينة بالميرة ، فقال لهم : ثبطوا محمداً عن لحوقنا ، ولكم حمل بعير من الزبيب ، فلما لقوا المسلمين خوفوهم ، فقال : { حسبنا الله ونعم الوكيل } ، ومضوا حتى بلغوا حمراء الأسد ثم رجعوا ، فعلى هذا : يقول الحقّ جلّ جلاله : { الذين قال لهم الناس } وهم ركب عبد قيس حيث قالوا للمسلمين : { إن الناس } يعني أبا سفيان ومن معه ، { قد جمعوا لكم } ليرجعوا ليستأصلوكم { فاخشوهم } وارجعوا إلى دياركم { فزادهم } ذلك { إيماناً } ويقيناً وتثبيتاً في الدين ، وهذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص ، فيزيد بحسب التوجه إلى الله والتفرغ مما سواه ، وينقص بحسب التوجه إلى الدنيا وشغبها ، ويزيد أيضاً بالطاعة والنظر والاعتبار ، وينقص بالمعصية والغفلة والاغترار . ولما قال لهم الركب ذلك ليخوفهم ، { قالوا حسبنا الله } أي : كافينا الله وحده ، فلا نخاف غيره ، { ونعم الوكيل } أي : نعم من يتوكل عليه العبد ، وهي كلمة يدفع بها ما يخاف ويكره ، وهي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار ، { فانقلبوا } راجيعن من حمراء الأسد ، متلبسين { بنعمة من الله } وهي العافية والسلامة ، { وفضل } وهي زيادة الإيمان وشدة الإيقان ، { لم يمسسهم سوء } من جراحة وكيد عدو ، { واتبعوا رضوان الله } ، الذي هو مناط الفوز بخير الدارين ، { والله ذو فضل عظيم } ، فقد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان ، والتوفيق إلى المبادرة إلى الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو موجب الرضوان . ثم حذَّرهم الحق تعالى ممن ثبّطهم عن اللحوق بالكافر ، وهو ركب عبد القيس ، تشبيهاً لهم بالشيطان ، فقال : { إنما ذلكم الشيطان } يخوفكم أولياءه من المشركين ، أو { يخوف أولياءه } القاعدين من المنافقين { فلا تخافوهم } فإن أمرهم بيدي ، { وخافوا إن كنتم مؤمنين } فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله على خوف الناس . التفسير الثاني : أن يكون الكلام على غزوة بدر الصغرى ، : وذلك أن أبا سفيان لما انصرف من أُحد نادى : يا محمد ، موعدنا بدرٌ لقابل ، إن شئت ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إن شاء الله تعالى " ، فلما كان العام القابل ، خرج أبو سفيان من أهل مكة ، حتى نزل مرّ الظهران ، فأنزل الله الرعب في قلبه ، وبدا له أن يرجع ، فلقي نُعيم بن مسعود الأشجعي معتمراً ، فقال له : ائت المدينة وأعلمهم أنّا في جمع كثير ، وثبطهم عن الخروج ، ولك عندي عشر من الإبل ، فأتى المدينة فأخبرهم ، فكره أصحابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم الخروج ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرجَنّ ، ولو وَحْدِي " فرجع الجَبان وتأهب الشجعان ، فخرجوا حتى أتوا بدراً الصغرى ، ورجع أبو سفيان إلى مكة ، فسموا جيش السويق ، ووافق المسملون السوق ببدر ، وكانت معهم تجارات فباعوا وربحوا ، وانصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . فعلى هذا ، يقول الحقّ جلّ جلاله : { الذين استجابوا لله والرسول } ، يعني : في غزوة بدر الصغرى ، لميعاد أبي سفيان ، { من بعد ما أصابهم القرح } يعني : في غزوة أحد في العام الأول ، { للذين أحسنوا منهم } بالخروج مع الرسول ، { واتقوا } الله في مخالفته ، { أجر عظيم الذين قال لهم الناس } يعني نُعَيْم بن مسعود ، وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم ، كما يقال : فلان يركب الخيل ، وما يركب إلا فرساً ، أو : لأنه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه . { إن الناس قد جمعوا لكم } يعني : أبا سفيان وأهل مكة لما خرج إلى مَرّ الظهران . وقوله : { فانقلبوا بنعمة من الله } أي : عافية وسلامة ، { وفضل } ما أصابوا من التجارة ، وقوله : { إنما ذلكم الشيطان } يعني : نعيماً يخوفكم { أولياءه } والباقي ظاهر . الإشارة : أهل القوة من المريدين إذا قيل لهم : إن الناس قد جمعوا لكم ليردوكم أو يؤذوكم فاخشوهم ، زادهم ذلك إيماناً وإيقاناً ، وتحققوا أنهم على الجادة ، لسلوكهم على منهاج من قبلهم { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا } [ العَنكبوت : 2 ] الآية . واكتفوا بعلم الله ونظره وبرعايته ونصره ، فانقلبوا بنعمة الشهود ، وفضل الترقي في عظمة الملك الودود ، لم يمسسهم في باطنهم سوء ولا نقصان ، واستوجبوا من الله الرضى والرضوان ، وإنما ذلكم شيطان يردهم عن مقام الشهود والعيان ، فلا ينبغي لهم أن يخافوا ومطلبهم مقام الإحسان ، الذي تُبْذل في طلبه الأرواح والأبدان . وبالله التوفيق .