Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 181-183)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { وقتلهم } : معطوف على { ما } المفعولة أو النائبة عن الفاعل ، على القرائتين رفعاً ونصباً ، و { أن الله } : عطف على { ما } أي : ذلك العذاب بسبب ما قدمتم وبأن الله منتفٍ عنه الظلم ، فلا بد أن يعاقب المسيء ويثيب المحسن ، { الذين قالوا إن الله عهد إلينا } : صفة للذين { قالوا إن الله فقير } ، أو بدل منه مجرور مثله . يقول الحقّ جلّ جلاله : { لقد سمع الله قول } اليهود { الذين قالوا إن الله فقير ونحن إغنياء } وقائله : فِنْحَاصُ بن عَازُرواء ، في جماعة منهم ، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كتب مع أبي بكر إلى يهود بن قينقاع ، يدعوهم إلى الإسلام ، وإلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه مِدْرَاسَهُم ، فوجد خلقاً كثيراً اجتمعوا إلى فنحاص ، وهو من علمائهم - ومعه حبر آخر اسمه : أيشع ، فقال أبو بكر لفنحاص : اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله ، قد جاءكم بالحق من عند الله ، اتق الله وأسلم ، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله ، قد جاءكم بالحق من عند الله ، فأسلِمْ وصَدِّق ، وأقْرِض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة ، فقال فنحاص لعنه الله : يا أبا بكر تزعم ان ربنا يستقرضنا أموالنا ، وما يستقرض إلا الفقير من الغني ، ولو كان غنيّاً ما استقرض ، فلطمه أبو بكر رضي الله عنه وقال : لولا ما بيننا من العهد لضربت عنقك ، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : عليه الصلاة والسلام : - " ما حملك على ما فعلت ؟ " فقال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال قولاً قولاً عظيماً ، زعم أن الله فقير ، وهم أغنياء ، فجَحَد ما قال ، فنزلت الآية تكذبياً له . والمعنى : أن الله سمع مقالتهم الشنيعة ، وأنه سيعاقبهم عليها ، ولذلك قال : { سنكتب ما قالوا } أي : سنسطرها عليهم في صحائف أعمالهم ، أو سنحفظها في علمنا ولا نهملها ، لأنها كلمة عظيمة ، فيها الكفر بالله والاستهزاء بكتاب الله وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك نظمت مع قتلهم الأنبياء ، حيث عطفه عليه ، وفيه تنبيه على أن قولهم الشينع ليس هو أول جريمة ارتكبوها ، وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد أمثال هذا القول منه . ثم ذكر عقابهم ، فقال : { ونقول } لهم يوم القيامة : { ذوقوا عذاب الحريق } أي : المُحْرِق ، والذوق : يطلق على إدراك المحسوسات كالمطعومات ، والمعنويات كما هنا ، وذكره هنا لأن عذابهم مرتب على قولهم الناشئ عن البخل ، والتهالك على المال ، وغالب حاجة الإنسان إليه ، لتحصيل المطاعم ، ومعظم بخله للخوف من فقده . { ذلك } العذاب بسب ما { قدمت أيديكم } من قتل الأنبياء ، وقولكم هذا ، وسائر معاصيكم ، وعبّر بالأيدي لأن غالب الأعمال بهن ، وبأن { الله ليس بظلام للعبيد } بل يجازي كلَّ عبد بما كسب من خير أو شر ، فأنتم ظلمتم أنفسكم . ثم إن قوماً منهم ، وهو كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحُيَيْ بن أخطب وفنْحَاص ووهب بن يهوذا ، أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً ، وإن الله قد عهد إلينا يف التوراة ، ألاَّ نؤمن لرسول يزعم أنه نبيّ حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فإن جئتنا به صدقناك ، فأنزل الله فيهم تكذيباً لهم : { الذين قالوا إن الله عهد إلينا } في التوراة وأوصانا { ألا نؤمن لرسول حتى ياتينا بقربان } كصدقة أو نسيكة ، { تأكله النار } كما كانت لأنبياء بني إسرائيل . وذلك أن القرابين والغنائم كانت حراماً على بني إسرائيل ، وكانوا إذا قرَّبوا قُرباناً ، أو غنموا غنيمة ، فتقبل منهم ، ولم يُغل من الغنيمة ، نزلت نار بيضاء من السماء ، فتأكل ذلك القربان أو الغنيمة ، فيكون ذلك علامة على القبول ، وإذا لم يتقبل بقي على حاله ، وهذا من تعنتهم وأباطيلهم ، لأن أكل القربان لم يُوجبْ الإيمانَ إلا لكونه معجزة ، وسائر المعجزات في ذلك سواء ، فلذلك ردَّ عليهم بقوله : { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات } أي : المعجزات الواضحات ، { وبالذي قلتم } من أكل النار القربان ، فكذبتموهم وقتلتموهم كزكريا ويحيى وغيرهما ، { فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين } في دعواكم أنه ما منعكم من الإيمان إلا عدم ظهور هذه المعجزة ، فما لكم لم تؤمنوا بمن جاء بها حتى قتلتموه ؟ والله تعالى أعلم . الإشارة : ما زالت خواص العامة مولعةً بالإنكار على خواص الخاصة ، يسترقون السمع منهم ، إذا سمعوا كلمة لم يبلغها علمُهم ، وفيها ما يوجب النقص من مرتبتهم ، حفظوها ، وحرفوها ، وأذاعوها ، يريدون بذلك إطفاء نورهم ، وإظهار عُوَراهم ، والله حفيظ عليهم ، سيكتب ما قالوا وما قصدوا من الإنكار على أوليائه ، ويقول لهم : ذوقوا عذاب البعد والحجاب . وما يتشبثون به في الإنكار عليهم : اقتراحهم الكرامات التي كانت للأولياء قبلهم ، ويقولون : لا نصدق بهم حتى يأتون بما أتى به فلان وفلان ، فقد كان من قبلهم يطعنون فيهم مع ظهور ذلك عليهم ، كما هو سنة الله فيهم . { والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } .