Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 188-189)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : من قرأ بالخطاب ، فالذين : مفعول أول ، والثاني : محذوف ، أي : بمفازة من العذاب ، أو هو المذكور ، و { تحسبنهم } : تأكيد للفعل الأول ، ومن قرأ بالغيب ، فالذين : فاعل ، والمفعولان : محذوفان ، دلَّ عليهما ذكرُهما مع الثاني ، أي : لا يحسبوا أنفسهم فائزة . { فلا تحسبنهم } : من قرأ بفتح التاء فالخطاب للرسول - عليه الصلاة والسلام - ، والفعل مبني ، ومن قرأ بالياء فالخطاب للذين يفرحون ، والفعل معرب ، أي : لا يحسبن أنفسهم بمفازة من العذاب . يقول الحقّ جلّ جلاله : { لا تحسبن } يا محمد { الذين يفرحون بما أتَوا } أي : بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق ، { ويُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا } من الوفاء بالعهد ، وإظهار الحق ، والإخبار بالصدق ، أنهم فائزون من العذاب ، فلا تظنهم { بمفازة من العذاب } ، بل { لهم عذاب أليم } موجع ، { ولله ملك السماوات والأرض } إن شاء عذب وإن شاء رحم ، { والله على كل شيء قدير } فلا يعجزه من ذلك شيء ، أو : لا يظن الذي يفرحون بما أتوا ، ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا ، فلا يحسبون أنفسهم بمفازة من العذاب . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنها نزلت في المنافقين ، كانوا إذا خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم تخلَّفوا ، وإذا قدم اعتذروا ، فإذا قَبِل عذرهم فرحوا ، وأحبُّوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا . وما تقدم في التوطئة هو عن ابن عباس . وقال ابن حجر : ولا مانع من أن يتناول الآية كلَّ من أتى بحسنة وفَرِحَ بها فَرَحَ إعجاب ، وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه . والله تعالى أعلم . الإشارة : لا يظن أهل الفرق الذين يسندون الأفعال إلى أنفسهم ، غائبين عن فعل ربهم ، ويحبون أن يحمدهم الناس ويمدحهم بفعل غيرهم ، أنهم فائزون عن عذاب الفرق ، وحجاب العجب ، إذ لا فاعل سوى الحق ، فمن تمام نعمته عليك أن خلق فيك ونسب إليك ، فإن فرح العبد بالطاعة من حيث ظهورها عليه ، وهي عنوان العناية - ورأى نفسه فيها كالآلة ، معزولاً عن فعلها ، محمولاً بالقدرة الأزلية فيها ، فلا بأس عليه ، ويزيد بذلك تواضعاً وشكراً ، وإن فرح بها من حيث صدورها منه ، ويتبجح بها على عباد الله ، فهو عين العجب ، وفي الحكم : " لا تُفرحكَ الطاعة من حيث إنها صَدَرَتْ منك ، وافرح بها من حيث إنها هدية من الله عليك { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } [ يُونس : 58 ] " .