Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 196-198)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : النُزل - ويسكن - : ما يقدم للنازل من طعام وشراب وصلة ، وانتصابه : على الحال من { جنات } ، والعامل فيه : الظرف ، أو على المصدر المؤكد ، أي : أُنزلوها نزلاً . يقول الحقّ جلّ جلاله : { لا يغرنك } أيها السامع أو أيها الرسول ، والمراد : تثبيته على ما كان عليه ، كقوله : { فلا تطع المكذبين } ، أي : دم على ما أنت عليه من عدم اغترارك بظاهر ما ترى عليه الكفار من البسط في الدنيا ، والتقلب فيها بالتجارات والزراعات ، وما هم عليه من الخصب ولين عيش ، فإن ذلك { متاع قليل } بلغة فانية ، ومتعة زائلة ، وظلال آفلة ، وسحابة حائلة . قال صلى الله عليه وسلم : " ما الدُّنْيا في الآخِرَةِ إلاَّ مِثْلُ ما يَجْعَلُ أَحَدُكُم إصْبَعَهِ في اليَمِّ ، فَلْيَنْظُر بِمَ يَرْجِعَ " فلا بد أن يرحلوا عنها قهراً ، { ثم مأواهم } أي : مصيرهم { جهنم وبئس المهاد } ما مهدوا لأنفسهم . والمعتبر عند الأكياس هو ما أعد الله للمتقين من الناس ، قال تعالى : { لكن الذين اتقوا ربهم } وخافوا عقابه ، { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } ، هيأ ذلك لهم وأعده { نزلاً من عند الله } هذا النزول الذي يقدم للضيف ، وأما ما أعد لهم بعد النزول فلا يُعتبر عن لسان ، ولذلك قال : { وما عند الله } من النعيم الذي لا يفنى ، جسماني وروحاني ، { خير للأبرار } مما ينقلب إليه الفجار . قيل : حقيقة البر : هو الذي لا يؤذي الذر . الإشارة : لا يغرنك أيها الفقير ما ترى عليه أهل الدنيا من اتخاذ المنازل المشيدة ، والفرش الممهدة ، فإن الدنيا متاعها قليل ، وعزيزها قليل ، وغنيها فقير ، وكبيرها حقير ، واعتبر بحال نبيك - عليه الصلاة والسلام . قال أنس رضي الله عنه : دَخلتُ علَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهُو على سَرِير مرفل بالشريط - أي : مضفور به - وتحت رَأسِهِ وسَادَةٌ من أَدَم ، حَشْوُهَا لِيفٌ ، فدل عليه عمر ، وانحرف النبيّ صلى الله عليه وسلم انحرافة ، فرأى عمر الشريط في جَنْبِهِ ، فَبكَى ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ما يُبْكِيكَ يا عمر " ؟ فقال : مَالِيَ لا أبْكِي وكِسْرى وقَيْصَرُ يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا ، وأنت على الحال الذي أرى ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : " يا عمر أمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لهُم الدُّنيا وَلَنا الآخرَةُ " رواه البخاري . وانظر ما أعدّ الله للمتقين الأبرار ، الذين صبروا قدر ساعة من نهار ، فأفضوا إلى جوار الكريم الغفار في دار القرآن ، { وما عند الله خير للأبرار } ، ولا سيما العارفين الكبار . قال الورتجبي : بيِّن الحق - تعالى - رفعة منزل المتقين في الجنان ، ثم أبْهم لطائف العناية بقوله : { وما عند الله خير للأبرار } أي : ما عنده من نعيم المشاهدة ، ولطائف القربة ، وحلاوة الوصلة ، خير مما هم فيه من نعيم الجنة ، وأيضاً : صرح في هذه الآية ببيان مراتب الولاية ، لأنه ذكر المتقين ، والتقوى : تقديس الباطن عن لوث الطبيعة ، وتنزيه الأخلاق عن دنس المخالفة ، وذلك درجة الأولى من الولاية ، والأبرار أهل الاستقامة في المعرفة ، وبين أن أهل التقوى في الجنة ، والأبرار في الحضرة . هـ .