Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الم اللَّهُ لآَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحىُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ … } قلت : فواتح السور كلها موقوفة خالية عن الإعراب لفقدان مُوجبه ومقتضيه ، فيوقف عليها بالسكون ، كقولهم : واحد ، اثنان . وإنما فَتَحَ الميم هنا في القراءة المشهورة لإلقاء حركة الهمزة عليها . انظر البيضاوي . قال ابن عباس رضي الله عنه : الألف آلاؤه ، واللام لطفه ، والميم مُلكه . قلت : ولعلَّ كل حرف يشير إلى فرقة ممن توجَّه العتاب إليهم ، فالآلاء لِمنْ أسلم من النصارى ، واللطف لمن أسلم من اليهود ، والملك لمن أسلم من الصحابة - رضوان الله عليهم - ، فقد ملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها . والله تعالى أعلم . يقول الحقّ جلّ جلاله : أيها الملك المُعظَّم ، والرسول المفخم ، بلِّغ قومك أن الله واحد في ملكه ، ليس معه إله ، ولا يُحب أن يُعبد معه سواه إذ لا يستحق أن يعبد إلا الحيّ القيّوم ، الذي تعجز عن إدراكه العقولُ ومدارك الفهوم ، فائم بأمر عباده ، متصرف فيهم ، على وفق مراده ، فأعذر إليهم على ألسنة المرسلين ، وأنزل عليهم الكتب بياناً للمسترشدين ، فنزَّل { عليك الكتاب } مُنَجّماً في عشرين سنة ، متلبساً { بالحق } ، حتى { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } ، أو متلبساً بالحجج التي تدفع كل باطل ، أو بالعدل حتى ينتفي به جَوْر كل مائل ، { مصدقاً } لما تقدم قبله من الكتب الإلهية إذ هو موافق لما فيها من القصص والأخبار ، فكان شاهداً عليها بالصحة والإبرار . { وأنزل التوراة والإنجيل } من قبله هادياً لمن كُلف باتباعهما من الأنام ، أو للجميع ، إذا كان شرعُ منْ قبلنا شرعاً لنا - معشر أهل الإسلام - ، ثم ختم الوحي بإنزال { الفرقان } ، وكلّف بالإيمان به الإنس والجان ، فرَّق به بين الحق والباطل ، واندفع به ظلمة كل كافر وجاهل وقدَّم ذكره على الكتب لعظم شرفه ، وختم به آخراً لتأخر نزوله . والله تعالى أعلم . الإشارة : لمّا أراد الحقّ جلّ جلاله أن يشير إلى وحدة الذات وظهور أنوار الصفات ، قَدَّم قبل ذلك رموزاً وإشارات ، لا يفهمها إلا من غاص في قاموس بحر الذات ، وغرق في تيار الصفات ، فيستخرج بفكرته من يواقيت العلوم وغوامض الفهوم ، ما تحار فيه الأذهان ، وتكِلُّ عنه عبارةُ اللسان ، فحينئذٍ يفقهم دقائق الرموز وأسرار الإشارات ، ويطلع على أسرار الذات وأنوار الصفات ، ويفهم أسرار الكتب السماوية ، وما احتوت عليه من العلوم اللدنية ، والمواهب الربانية ، ويشرق في قلبه أنوار الفرقان ، حتى يرتقي إلى تحقيق أهل الشهود والعيان . جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه . ثم هدد من كفر بالفرقان ، بعد وضوح سواطع البرهان ، فقال : { … إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِئَايَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ } قلت : الانتقام والنقمة : عقوبة المجرم . وفعله : نقم القاف وفتحها . يقول الحقّ جلّ جلاله : { إن الذين كفروا بآيات الله } المنزلة على نبيه أو على سائر أنبيائه ، أو الآيات الدالّة على وحدانيته ، { لهم عذاب شديد } يوم يظهر نفوذ الوعد والوعيد ، فينتقم الله فيه من المجرمين ، ويتعطف على عباده المؤمنين ، فإن { الله عزيز } لا يغلبه غالب ، ولا يفُوته هارب ، { ذو انتقام } كبير ولطف كثير . لطف الله بنا وبجميع المسلمين . آمين . الإشارة : ظهور أولياء الله لطف من آيات الله ، فمن كفر بهم حُرم بركتهم ، وبقي في عذاب الحجاب وسوء الحساب ، تظهر عليه النقمة والمحنة ، حين يرفع الله المقربين في أعلى عليين ، ويكون الغافلون مع عوام المسلمين ، ذلك يوم التغابن . والله تعالى أعلم .