Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 23-25)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : التنكير في { نصيب } يحتمل التحقير والتعظيم ، والأول أقرب . وجملة : { وهم معرضون } حال من { فريق } يتخصيصه بالصفة . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ألم تر } يا محمد ، أو مَنْ تصح منه الرؤية ، { إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } وهم : اليهود ، تمسكوا بشيء من التوارة ، ولم يعملوا به كلّه ، كيف { يدعون إلى كتاب الله } القرآن { ليحكم بينهم } فيما اختلفوا فيه من أمر التوحيد وصحة نبوته - عليه الصلاة والسلام - ، فأعرضوا عنه ، أو المراد بكتاب الله : التوراة . قال ابن عباس رضي الله عنه : دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم على جماعة من اليهود ، فَدَعاهُمْ إلى الله تعالى ، فقال نُعَيْمُ بْنُ عَمِرْو والحَارِثُ بَنْ زَيْد : على أيِّ دين أنْتَ يا مُحَمَّدُ ؟ قال : " على مِلَّةِ إبْرَاهِيم " قالا : إنَّ إبرَاهِيم كان يَهُودِيّاً ، فقال لهما النبيّ صلى الله عليه وسلم : " فَهَلمُّوا إلى التَّوراةِ فهي بَيْنَنَا وبينكم " فأبَيا عليه ، فنزلت الآية . وقيل : نزلت في الرجم ، على ما يأتي في العقود . { ذلك } الأعراض بسبب اغترارهم وتسهيلهم أمر العقاب ، فقالوا : { لن تسمنا النار إلا أياماً معدودات } أربعين يوماً ، قدر عبادتهم العجل ، ثم يَخْلفهم المسلمون ، { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } بزعمهم الفاسد وطمعهم الفارغ . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه } ، وهذا تهويل لشأنهم ، واستعظام لما يحيق بهم ، { ووفيت كل نفس ما كسبت } من خير أو شر ، { وهم لا يظلمون } أي : لا يبخسون من أعمالهم شيئاً ، فلا ينقص من الحسنات ، ولا يزاد على السيئات . وفيه دليل على أن المؤمن لا يخلد في النار . قال ابن عباس : أولُ رايةٍ تُرفع لأهل الموقف ، ذلك اليوم ، رايةُ اليهود ، فيفضحُم اللّهُ تعالى على رؤوس الأشهاد ، ثم يؤمر بهم إلى النار . الإشارة : ترى كثيراً ممن ينتسب إلى العلم والدين ينطلق لسانه بدعوى الخصوصية ، وأنه منخرط في سلك المقربين ، فإذا دُعي إلى حق ، أو وقف على عيب من عيوب نفسه ، أعرض وتولى ، وغرته نفسه ، وغلبه الهوى ، فجعل يحتج لنفسه بما عنده من العلم أو الدين ، أو بمن ينتسب إليهم من الصالحين ، فكيف يكون حاله إذا أقبل على الله بقلب سقيم ، ورأى منازل أهل الصفا ، الذين لقوا الله بقلب سليم ، حين ترفع درجاتهم مع المقربين ، ويبقى هو مع عوام أهل اليمين ؟ قال تعالى : { وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } [ الزُّمَر : 47 ] الآية .