Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 55-58)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إذ قال } : ظرف لمقدر ، أي : اذكر ، أو وقع ذلك إذ قال ، أو لمكروا ، و { متوفيك } أي : رافعك إليَّ وافياً تاماً ، من قولهم : توفيت كذا واستوفيته : قبضته وافياً تامّاً ، أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت ، أو منيمك بدليل قوله تعالى : { وَهُوَا الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ } [ الأنعَام : 60 ] ، رُوِيَ أنه رُفع نائماً ، والإجماع على أنه لم يمت ، قال تعالى : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم } ، وقوله : { ذلك } مبتدأ ، و { نتلوه } : خبر ، و { من الآيات } : حال ، أو { من الآيات } : خبر ، و { نتلوه } : حال ، أو خبر بعد خبر . يقول الحقّ جلّ جلاله : اذكر { إذ قال الله } لعيسى عليه السلام لما أراد رفعه : { يا عيسى إني متوفيك } ، أي : قابضك إليّ ببدنك تامّاً ، { ورافعك إليَّ } أي : إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي ، { ومطهرك من الذين كفروا } أي : من مخالطة دنس كفرهم ، { وجاعل الذين اتبعوك } ممن صدق بنبوتك من النصارى والمسلمين ، وقال قتادة والشعبي والربيع : هم أهل الإسلام . هـ . فوالله ما اتبعه من ادعاه ربا ، فمن تبع دينه حقّاً وقد حقق الله فيهم هذا الأمر ، فإن اليهود لم ترفع لهم راية قط ، ولم يتفق لهم ملك ولا دولة إلى زمننا هذا . ثم قال تعالى : { ثم إليَّ مرجعكم } بالبعث ، { فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين وأمر عيسى . { فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة } أي : فأجمع لهم عذاباً الآخرة لعذاب الدنيا الذي أصابهم فيها من القتل والسبي . { وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فنوفيهم أجورهم } في الدارين بالنصر والعز في الدنيا ، وبالرضا والرضوان في الآخرة ، { والله لا يحب الظالمين } لا يرضى فعلهم ولا يقربهم إليه . { ذلك } الذي ذكرت لك من نبأ عيسى ومريم ومن ذكر قبلهما ، { نتلوه عليك من الآيات } أي : العلامات الدالة على صدقك ، لأنها أخبار عن أمور لم تشاهدها ولم تقرأها في كتاب ، بل هي من { الذكر الحكيم } ، وهو القرآن المبين . الإشارة : كل ما طهر سره من الأكدار ، وقدس روحه من دنس الأغيار ، ورفع همته عن هذه الدار ، عرج الله بروحه إلى سماء الملكوت ، ورفع سره إلى مشاهدة سنا الجبروت ، وبقي ذكره حيّاً لا يموت ، وجعل من انتسب إليه في عين الرعاية والتعظيم ، وفي محل الرفعة والتكريم ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " هَاجِرُوا تكسبوا العز لأولادكم " ، فمن هاجر وطن الحظوظ والشهوات ، والركون إلى العوائد والمألوفات ، عرجت روحه إلى سماء القدس ومحل الأنس ، وتمكن من العز الذي لا يفنى ، ينسحب عليه وعلى أولاده ومن انتسب إليه إلى أن يرث الأرض ومن عليها ، { وهو خير الوارثين } . هذه سنة الله في خلقه ، لأنهم نصروا دين الله ورفعوا كلمة الله ، فنصرهم الله ، ورفعهم الله ، قال تعالى : { إِن تَنصُروُاْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محَمَّد : 7 ] ، وقال تعالى : { وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا } [ التّوبَة : 40 ] . وفي الحكم : " إن أردت أن يكون لك عز لا يفنى ، فلا تستعزن بعز يفنى " . والله تعالى أعلم . وقال القشيري : الإشارة فيه : إني متوفيك عنك وقابضك منك ، ورافعك عن نعوت البشرية ، ومطهرك عن إرادتك بالكلية ، حتى تكون مصدقاً لنا بنا ، ولا يكون لك من اختيارك شيء ، وتكون إسبال التولي عليك قائماً ، وبهذا الوصف كان يظهر على يده إحياء الموتى ، وما كانت تلك الأحداث حاصلة إلا بالقدرة عليه . هـ . وقال الورتجبي : متوفيك عن رسم الحدوثية ، ورافعك إليَّ بنعت الربوبية ، ومطهرك عن شوائب البشرية . هـ .