Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 61-63)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أصل } { تعالوا } : تَعالَيُوا ، على وزن تفاعلوا ، من العلو ، فقلبت الياء ألفاً لتحركها ، ثم حذفت ، ومن قرأ بالضم نقل ، وأصل معناها : ارتفع ، ثم أطلق على الأمر بالمجيء . والابتهال : التضرّع والمبالغة في الدعاء . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فمن } خاصمك يا محمد في شأن عيسى عليه السلام ، وكان الذي خاصم في ذلك السيد والعاقب ، لما قدموا مع نصارى نجران على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال لهما النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أسلما " ، قالا : قد أسلمنا قبلك ، قال : " كذبتما ، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما عيسى لله ولداً ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير " ، قالا : إن لم يكن عيسى ولداً لله فمن أبوه ؟ فقال لهما النبيّ صلىالله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت ، وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيِّم كل شيء ، ويحفظه ، ويرزقه ؟ قالوا : بلى ، قال : فهل ملك عيسى شيئاً من ذلك ؟ فقالوا : لا . قال : ألستم تلعمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ قالوا : بلى ، قال : فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما عُلِّم ؟ قالوا : لا . قال : فإن ربنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء ، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يُحدث ، قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غُذِّي كما يُغَذّى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث ؟ قالوا : بلى . قال : كيف يكون هذا كما زعمتم ؟ فسكتوا " … فأنزل فيهم السورة إلى هنا . فقال الحقّ لنبيه - عليه الصلاة والسلام - : { فمن حاجّك فيه } أي : في عيسى من النصارى ، { من بعد ما جاءك من العلم } بعبوديته ، { فقل } لهم : { تعالوا } نَتَلاَعَنُ ، أي : نلعن الكاذبَ منا { ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم } أي : يدعون كل واحد منا نفسه وأعزّة أهله وألصفهم بقلبه إلى المباهلة ، وإنما قدَّمهم على النفس لأن الرجل يخاطر بنفسه دونهم ، فكان تقديمهم أبلغ في الابتهال ، { ثم نبتهل } ، أي نجهد في الدعاء على الكاذب ، { فنجعل لعنة الله على الكاذبين } . فلما قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الآية على وفد نجران ، ودعاهم إلى المباهلة ، قالوا : حتى نرجع وننظر في أمرنا ، فقالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - : ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبيّ مرسل ، ولقد جاءكم بالفَصْل من أمر صاحبكم ، والله ما لاعن قومٌ قط نبيّاً فعاش كبيرُهم ، ولا نبت صغيرُهم ، ولئن فعلتم ذلك لتهلكن ، فوادِعُوا الرَّجُلَ : وانصرفوا ، فأتوه وهو محتضنٌ الحسن آخذ بيد الحسين ، وفاطمةُ تمشي خلفه ، وعَلِيّ خلفها ، وهو يقول لهم : " إِذَا دَعَوْتُ فَأمِّنُوا " ، فقال الأسقُف : يا معشر النصارى ، إني لأرى وجُوهاً لو سألوا الله أن يُزيل جبلاً من ماكنه لأزاله ، فلا تتباهلوا فتهلكوا جميعاً إلى يوم القيامة . فقالوا : يا أبا القاسم ، نرى ألا نلاعنك ، فقال النبيّ صلى لله عليه وسلم : " أسْلِمُوا يَكُنْ لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم " ، فأَبَوا ، فقال : " إني أُنابذكم " ، فقال : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكنا نصالحك على ألا تغزونا ولا تَرُدَّنا عن ديننا ، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفَيْ حلة ، ألفاً في صَفَر ، وألفاً في رجب ، وثلاثين درعاً من حديد . فصالحهم النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فقال النبيّ : " والذي نفسي بيده لو تلاعنوا لمُسِخُوا قِرَدَة ، وخَنَازِيرَ ، ولأضْرَمَ عَلَيْهِمْ الوَادِي نَاراً ولاستأصَل اللّهُ نَجْرَان وأهْلَهُ ، ولَمَا حَالَ الحَوْلُ على النَّصَارى كُلِّهِْم حَتى هَلكوا " . قال الله تعالى : { إن هذا } الذي أوحينا إليك { لهو القصص الحق وما من إله إلا الله } ، خلافاً لما يزعم النصارى من التثليث ، { وإن الله لهو العزيز } في ملكه { الحكيم } في صنعه ، فلا أحد يساويه في قدرته التامة ، ولا في حكمته البالغة ، { فإن تولوا } وأعرضوا عن الإيمان ، { فإن الله عليم بالمفسدين } ، الذي يعبدون غير الله . ووضع المظهر موضع الضمير ، ليدل على أن التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين ، بل يؤدي إلى فساد العالم . والله تعالى أعلم . الإشارة : ينبغي للمريد ، الذي تحقق بخصوصية شخيه ، أن يلاعن من يخاصمه فيه ، ويبعد عنه كل البعد ، ولا يهي له لئلا يركبه ، ويدفع عن شيخه ما استطاع ، فإنَّ هذا من التعظيم الذي هو سببٌ في سعادة المريد ، ولا يصغي إلى المفسدين الطاعنين في أنصار الدين . قلت : وقد جاءني بعض من ينتسب إلى العلم من أهل فاس ، فقال لي : قد اتفقت علماء فاس على بدعة شيخكم ، فقلت له : لو اتفق أهل السماوات السبع والأرضين السبع ، على أنه من أهل البدعة ، لقلت أنا : إنه من أهل السنّة ، لأني تحققت بخصوصيته ، كالشمس في أفق السماء ، ليس دونها سحاب . فالله يرزقنا حسن الأدب معهم والتعظيم إلى يوم الدين . آمين ، فمن أعرض عن أولياء الله من المنكرين { فإن الله عليم بالمفسدين } ثم دعاهم إلى التوحيد الذي اتفقت عليه سائر الأديان .