Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 64-64)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { سواء } : مصدر ، نعت للكلمة ، والمصادر لا تثني ولا تجمع ولا تؤنث ، فإذا فتحت السين مددت ، وإذا ضمت أو كسرت قصرت ، كقوله : { مكاناً سوى } أي : مستوٍ . وسواء كل شيء : وسطه ، قال تعالى : { فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ الْجَحِيمِ } [ الصَّافات : 55 ] ، أي : وسطه . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } يا محمد : { يا أهل الكتاب } اليهود والنصارى ، { تعالوا } : هلموا { إلى كلمة سواء } أي : عدل مستوية ، { بيننا وبينكم } لا يختلف فيها الرسل والكتب والأمم ، هي { ألا نعبد إلا الله } أي : نوحده بالعبادة ، ونقر له بالوحدانية ، { ولا نشكر به شيئاً } أي : لا نجعل غيره شريكاً له في استحقاق العبادة ، { ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله } أي : لا نقول عزير ابن الله ، ولا المسيح ابن الله ، ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل ، لأنهم بشر مثلنا . ولمّا نزل قوله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ … } [ التّوبَة : 31 ] قال عدي بن حاتم : ما كُنَّا نعبدهم يا رسول الله ، قال : " أَلّيْس كانُوا يُحِلُّون لَكُمْ ويُحرِّمون ، فتأخُذُون بقَوْلِهم ؟ " قال : بلى ، قال : " هُوَ ذَاكَ " { فإن تولوا } وأعرضوا عن التوحيد { فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ، فقد لزمتكم الحجة ، فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم ، وأنتم كافرون بما نطقت به الكتبُ وتواطأت عليه الرسل . تنبيه : انظر ما في هذه الآية من المبالغة وحسن التدرج في الاحتجاج ، بيِّن أولاً أحوال عيسى وما تطاور عليه من الأطوار المنافية للألوهية ، ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم ، فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الإعجاز ، ثم لمّا أعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد ، عاد عليهم بالإرشاد ، وسلك طريقاً أسهل وألزم ، بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى وسائر الأنبياء والكتب ، ثم لمّا لم يُجد ذلك فيهم شيئاً ، وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم شيئاً أعرض عنهم ، وقال : { قولوا اشهدوا بأنا مسلمون } . قاله البيضاوي . الإشارة : الطرق كثيرة والمقصد واحد ، وهو التوحيد الخاص ، أعني مقام الفناء والبقاء . فالداعُون إلى الله كلهم متفقون على الدعوة إلى هذا المقصد ، فكل طريق لا توصل إلى هذا المقصد لا عبرة بها ، وكل داع لا يُبلغ إلى هذا الجمال فهو دجال ، فإنْ رضي بتعظيم الناس ، ولم يَبْنِ طريقه على الأساس ، فليس لصاحبه إلا الإفلاس ، وكل مَن أطاع المخلوق في معصية الله فقد اتخذه ربّاً من دون الله ، وكل مَن تولى عن طريق الإرشاد فقد استوجب لنفسه من الطرد والبعاد ، فيقول له الواصلون أو السائرون : { فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق . ولما قدم وفدُ نجران المدينة ، التقوا مع اليهود ، فاختصموا في إبراهيم عليه السلام فأتاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد إنا اختلفنا في إبراهيم ودنيه ، فقالت النصارى : كان نصرانيّاً ، وقالت اليهود : كان يهوديّاً ، وهم أولى الناس به ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " كلا الفريقين بريء من إبراهيم ، بل كان إبراهيم حنيفاً مسلماً ، وأنا على دينه ، فاتبعوا دينه الإسلام " .