Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 73-74)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : يحتمل أن يكون قوله : { أن يؤتى } : مفعولاً بـ { تؤمنوا } ، و { قل إن الهدى هدى الله } : اعترض ، واللام في " لمن " صلة ، { أو يحاجوكم } : عطف على { يؤتى } ، والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، إلا من كان على دينكم ، ولا تصدقوا أن يحاجوكم عند ربكم ، بل أنتم تحاجون غيركم . فردَّ الله عليهم { قل إن الهدى هدى الله } ، و { إن الفضل بيد الله } . ويحتمل أن يكون قوله : { أن يؤتى } مفعولاً لأجله ، والعامل فيه محذوف ، التقدير : أدبَّرتم ما دبرتم كراهية أن يؤتى أحد ما أوتيتم ، ومخافة أن يحاجوكم عند ربكم ؟ . يقول الحقّ جلّ جلاله : حاكياً عن اليهود : { و } قالوا { لا تؤمنوا } أي : لا تقروا أو تصدقوا { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } من العلم والحكمة وفلق البحر وسائر الفضائل ، { إلا لمن تبع } دين اليهودية ، وكان على { دينكم } ، ولا تؤمنوا أن { يحاجوكم عند ربكم } لأنكم أصح ديناً منهم . قال الحقّ جلّ جلاله : { قل } لهم : { إن الهدى هدى الله } يهدي به من يشاء ، و { إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } . يقول الحقّ جلّ جلاله : وقالوا : لا تصدقوا ولا تذعنوا { إلا لمن تبع دينكم } وكان من جلدتكم ، فإن النبوة خاصة بكم . فكذبهم الحق بقوله : { قل إن الهدى هدى الله } ، يخص به من يشاء من عباده ، فكيف تحصرنها فيكم ؟ لأجل { أن يُؤْتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم } قلتم ما قلتم ، ودبرتم ما دبرتم ، حسداً وبغياً ، { أو } خوفاً أن { يحاجوكم عند ربكم } ، يغلبوكم بالحجة لظهور دينهم ، { قل } يا محمد : { إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } فلا ينفع في رده حيلة ولا خدع . أو يقول الحقّ جلّ جلاله : للمؤمنين ، تثبيتاً لهم وتشجيعاً لقلوبهم : ولا تصدقوا يا معشر المؤمنين أن يعطي أحد مثل ما أوتيتم من الفضل والدين القويم إلا من تبع دينكم الحق ، وجاء به من عند الحق ، ولا تصدقوا { أن يحاجوكم } في دينكم { عند ربكم } أو يقدر أحد على ذلك ، فإن الهدى هدى الله والفضل بيد الله ، { يؤتيه من يشاء والله واسع } الفضل والكرم ، { عليم } بمن يستحق الخصوصية والفضل ، { يختص برحمته من يشاء } كالنبوة وغيرها ، { والله ذو الفضل العظيم } لا حصر لفضله ، كما لا حصر لذاته . الإشارة : يقول الحق - جلت ذاته ، وعظمت قدرته - لأهل الخصوصية : ولا تقروا بالخصوصية إلا لمن كان على دينكم وطريقكم ، وتزيّاً بزيكم ، وبذل نفسه وفلسه في صحبتكم ، مخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الخصوصية ، وهو ليس أهلاً لها ، فيأخذها علماً ، فإما أن يتزندق أو يتفسق ، أو يحاجوكم بالشريعة فيريق دماءكم كما وقع للحلاج رضي الله عنه وفي ذلك يقول الشاعر : @ ومن شَهِدَ الحَقِيقَةَ فَلْيَصُنْهَا وَإِلاَّ سَوْفَ يُقْتلُ بالسَّنَانِ كَحَلاَّجِ الْمَحَبَّةِ إِذْ تَبَدَّتْ لَهُ شَمْسُ الْحَقِيقَةِ بالتَّدَاني @@ وقال آخر : @ بالسِّرِّ إنْ بَاحُوا تُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ وكَذَا دِماءُ البَائِحينَ تُبَاحُ @@ وقل أيها العارف ، لمن طلب الخصوية قبل شروطها أو أنكر وجودها عند أهل شرطها : إن الهدى هدى الله يهدي به من يشاء - والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والرحمة - التي هي الخصوصية - في قبضة الله ، يخص بها من يشاء ، { والله ذو الفضل العظيم } فمن أراد الخصوصية فليطلبها من معدنها ، وهم العارفون بها ، فيبذل نفسه وفلسه لهم حتى يُعرفوه بها . وبالله التوفيق .