Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 75-76)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : الباء في { بقنطار } ، بمعنى على ، و { يؤده } : جواب الشرط مجزوم بحذف الياء ، ومن قرأ بإسكان الضمير فلأنه أقامه مقام المحذوف ، فجزمه عوضاً عنه ، وقال الفراء : مذهب بعض العرب : يسكنون الهاء إذا تحرك ما قبلها ، يقولون : ضربته ضرباً شديداً . يقول الحقّ جلّ جلاله : { ومن أهل الكتاب } من أسلم وآمن فصار من أهل الإيمان { إن تأمنه } على { قنطار } من المال أو أكثر أداه إليك ، ولم يخن منه شيئاً . وفي الحديث : " من ائتمن على أمانة فأداها ، ولو شاء لم يؤدها ، زوجه الله من الحور العين ما شاء " { ومنهم } من بقي على دينه من أهل الخيانة والخسران ، { إن تأمنه } على { دينار } فأقل { لم يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً } على رأسه ، مبالغاً في مطالبته . نزلت في عبد الله بن سلام ، استودعه قرشي ألفاً ومائتي أوقية ذهباً ، فأداها إليه ، وفي فنحاص بن عازوراء اليهودي ، استودعه قرشي آخر ديناراً ، فجحده . وقيل : في النصارى واليهود ، فإن النصارى : الغالب عليهم الأمانة ، واليهود الغالب عليهم الخيانة . وذلك الاستحلال بسبب أنهم { قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } أي : ليس علينا في شأن من ليسوا أهل كتاب ، ولم يكونوا على ديننا ، حرج في أخذ مالهم وجحدها ، ولا إثم ، { ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } أنهم كاذبون لأنهم استحلوا ظلم من خالفهم ، وقالوا : لم يجعل لهم في التوراة حرمة . وقيل : عَاملَ اليهودُ رجلاً من قريش ، فلما أسلموا تقاضوهم ، فقالوا : سقط حقكم حيث تركتم دينكم . وقال صلى الله عليه وسلم : " كَذَبَ أَعْدَاءُ اللّهِ ، مَا مِنْ شَيءٍ فِي الجاهِلية إلاّ وَهُو تَحْتَ قَدَمَي ، إِلاَّ الأمَانَةَ فإِنهَا مُؤداةٌ إلى الْبَر والفَاجِر " . ثم كذَّبهم الحقّ - تعالى - فقال : { بلى } عليهم في ذلك سبيل ، فإن { من أوفى بعهده واتقى } الشرك والمعاصي { فإن الله يحب المتقين } ومن أحبّه الله كيف يباح ماله وتسقط حرمته ؟ ! بل من أسقط حرمته فقد حارب الله ورسوله ، أو { من أوفى } ، بعهد الله من أهل الكتاب ، فآمن بمحمد - عليه الصلاة والسلام - { واتقى } الخيانة ، وأدى الأمانة ، { فإن الله يحب المتقين } . وأوقع المظهر موقع الضمير العائد إلى " من " لعمومه ، فإن لفظ المتقين عام يصدق برد الودائع وغيره ، إشعاراً بأن التقوى ملاك الأمر وسبب الحفظ . والله تعالى أعلم . الإشارة : قد رأينا بعض الفقراء دخل بلد الحقيقة فسقطت من قلبه هيبة الشريعة ، فتساهل في أموال الناس وسقطت لديه حرمة العباد ، حتى لا تثق به في حفظ مال ولا أهل ، فإذا أودعته شيئاً أو قارضته لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً . وهذه زندقة ونزعة إسرائيلية . لا يرضاها أدنى الناس ، فما بالك بمن يدعي أنه أعلى الناس ، وفي بعض الحكم : [ كَمَالُ الديانة ترك الخيانة ] ، وأعظم الإفلاس خيانة الناس ، وفي الحديث : " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُواَ مُنَافقٌ ، وإنْ صَلَّى وإن صَامَ وزَعم أنه مُؤْمن ، إذ حدَّثّ كَذَبَ ، وإذا وعَدَ أَخْلَفَ ، وإذا ائتُمِنَ خَانَ " فإذا احتج لنفسه الأمارة ، وقال : لا سبيل علينا في متاع العوام ، فقد خلع من عنقه ربقة الإسلام ، واستحق أن يعلو مفرقه الحُسام . والله تعالى أعلم .