Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 77-77)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { إن الذين يشترون بعهد الله } أي : يستبدلون بالوفاء بعهد الله كالإيمان بالرسول - عليه الصلاة والسلم - الذي أخذ على بني إسرائيل في التوراة وبيان صفته ، وأداء الأمانة ، فكتموا ذلك واستبدلوا به { ثمناً قليلاً } حطاماً فانياً من الدنيا ، كانوا يأخذونه من سفلتهم ، فخافوا إن بيَّنوا ذلك زال ذلك عنه ، وكذلك الأيمان التي أخذها الله عليهم لئن أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ولينصرنه ، فنقضوها ، خوفاً من زوال رئاستهم ، فاستبدلوا بالوفاء بها ثمناً فانياً ، { أولئك لا خلاق لهم } أي : لا نصيب لهم ، { في الآخرة ، ولا يكلمهم الله } بما يسرهم ، أو بشيء أصلاً ، وإنما الملائكة تسألهم ، { ولا تنظر إليهم يوم القيامة } نظرة رحمة ، بل يعرض عنهم ، غضباً عليهم وهواناً بهم ، { ولا يزكيهم } لا يطهرهم من ذنوبهم ، أو لا يُثني عليهم ، { ولهم عذاب أليم } أي : موجع . قال عكرمة : نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحُيي بن أخطب ، وغيرهم من رؤساء اليهود ، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن النبيّ صلى الله عليه وسلم من بيان صفته ، فكتموا ذلك وكتبوا غيره ، وحلفوا أنه من عند الله ، لئلا يفوتهم الرشا من أتباعهم . وقال الكلبي : إن ناساً من علماء اليهود كانوا ذا حظ من علم التوراة ، فأصابتهم سنة ، فأتوا كعب بن الأشرف يستميرونه ، أي : يطلبون منه الميرة - وهو الطعام - ، فقال لهم كعب : هل تعلمون أن هذا الرجل رسول في كتابكم ؟ قالوا : نعم ، أو ما تعلمه أنت ؟ قال : لا ، قالوا : فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال كعب : لقد قدمتم عليَّ ، وأنا أريد أن أميركم وأكسوكم ، فَحَرَمَكُم الله خيراً كثيراً ، قالوا : فإنه شُبه لنا ، فرُوَيْداً حتى نلقاه ، فانطلقوا ، فكتبوا صفة غير صفته ، ثم أتوا نبيّ الله - عليه الصلاة والسلام - فكلموه ، ثم رجعوا إلى كعب ، فقالوا : قد كنا نرى أنه رسول الله ، فأتيناه فإذا هو ليس بالنعت الذي نُعت لنا ، وأخرجوا الذي كتبوه ، ففرح كعب ، ومارهم . فنزلت الآية . قلت : انظر الطمع ، وما يصنع بصاحبه والعياذ بالله . وقيل : نزلت في رجل أقام سلعته في السوق ، وحلف لقد أعطى فيها كذا وكذا ، وقيل : نزلت في الأشعث بن قيس ، كانت بينه وبين رجل خصومة ، فتوجهت اليمين على الرجل ، فأراد أن يحلف . والله تعالى أعلم . الإشارة : قد أخذ الله العهد على الأرواح ألا يعبدوا معه غيره ، ولا يميلوا إلى شيء سواه ، فكل من مال إلى شيء ، أو ركن بالمحبة إلى غير الله ، فقد نقض العهد مع الله ، فلا نصيب له في مقام المعرفة ، ولا تحصل له مشاهدة ولا مكالمة حتى يثوب ويتوجه بكليته إلى مولاه . والله - تعالى أعلم .