Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 83-83)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { أفغير } : مفعول مقدم ، و { يبغون } : معطوف على محذوف ، أي : أتتولون فتبغون غير دين الله ، وقدم المعمول لأنه المقصود بالإنكار ، و { طوعاً وكرهاً } : حالان ، أي : طائعين أو كارهين . يقول الحقّ جلّ جلاله : للنصارى واليهود ، لمَّا اختصموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وادعوا أن كل واحد على دين إبراهيم ، فقال لهم - عليه الصلاة والسلام : " كِلاكما بَرِيءٌ مِنْ دِينه ، وأنا على دِينه ، فخذوا به " ، فغضبوا ، وقالوا : والله لا نرضى بحكمك ولا نأخذ بدينك ، فقال لهم الحقّ جلّ جلاله - منكراً عليهم - : أفتبغون غير دين الله الذي ارتضاه لخليله وحبيبه ، وقد انقاد له تعالى { من في السماوات والأرض } طائعين ومكرهين ، فأهل السموات انقادوا طائعين ، وأهل الأرض منهم من انقاد طوعاً بالنظر واتباع الحجة أو بغيرها ، ومنهم من انقاد كرهاً أو بمعاينة ما يُلجئ إلى الإسلام كنتق الجبل وإدراك الغرق والإشراف على الموت ، أو : " طوعاً " كالملائكة والمؤمنين ، فإنهم انقادوا لما يراد منهم طوعاً ، { وكرهاً } كالكفار فانقادوا لما يراد منهم كرهاً ، وكلٍّ إليه راجعون ، لا يخرج عن دائرة حكمه ، أو راجعون إليه بالبعث والنشور . والله تعالى أعلم . الإشارة : اعلم أن الدين الحقيقي هو الانقياد إلى الله في الظاهر والباطن ، أما الانقياد إلى الله في الظاهر فيكون بامتثال أمره واجتناب نهيه ، وأما الانقياد إلى الله في الباطن فيكون بالرضى بحكمه والاستسلام لقهره . فكل من قصَّر في الانقياد في الظاهر ، أو تسخط من الأحكام الجلالية في الباطن ، فقد خرج عن كمال الدين ، فيقال له : أفغير دين الله تبغون وقد انقاد له { من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } ، فإما أن تنقاد طوعاً أو ترجع إليه كرها . وفي بعض الآثار يقول الله تبارك وتعالى : " منْ لم يَرْضَ بقضائي ولم يَصْبِرْ على بَلائِي ، فليخرجْ من تحت سَمَائي ، وليتخذْ ربّاً سِوَاي " . وسبب تبرّم القلب عن نزول الأحكام القهرية مرضُه وضعف نور يقينه ، فكل من استنكف عن صحبة الطبيب ، فله من هذا العتاب حظ ونصيب ، فالأولياء حجة الله على العلماء ، والعلماء حجة الله على العوام ، فمن لم يستقم ظاهره عُوتب على تفريطه في صحبة العلماء ، ومن لم يستقم باطنه عاتبه الله تعالى على ترك صُحبة الأولياء ، أعني العارفين . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .