Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 22-25)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : يُريكم البرق : فيه وجهان ، أحدهما : إضمار " أن " كما في حرف ابن مسعود ، والثاني : تنزيل الفعل منزلة المصدر ، كما قيل في قولهم ، في المثل : " تَسْمعَ بالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ من أن تراه " . أي : إن تسمع ، أو : سماعك . وخوفاً وطمعاً : مفعولان له على حذف مضاف ، أي : إرادة خوف ، وإرادة طمع ، أو : على الحال ، أي : خائفين وطامعين . وإذا دعاكم : شرطية ، وإذا ، الثانية فجائية ، نابت عن الفاء . ومن الأرض : يتعلق بدعاكم . يقول الحق جل جلاله : { ومن آياته } الدالة على باهر قدرته { خلقُ السماوات والأرض } . قال القشيري : السموات في علوِّها . والأرض في دنوِّها ، هذه بنجومها وكواكبها ، وهذه بأقطارها ومناكبها ، هذه بشمسها وقمرها ، وهذه بمائها ومدرها ، واختلاف لغات أهلها في الأرض ، واختلاف تسبيح الملائكة - عليهم السلام - الذين هم سكان السماء . هـ . { واختلافُ ألسنتكم } باختلاف اللغات ، وبأجناس النطق وأشكاله ، { وألوانكم } ، كالسواد والبياض وغيرهما ، حتى لا تكاد تجد شخصين متوافقين إلا وبينهما نوع تخالف في اللسان واللون ، وباختلاف ذلك وقع التعارفُ والتمايز ، فلو توافقت وتشاكلت لوقع التجاهل والالتباس ، ولتعطلت المصالح . وفي ذلك آية بينة ، حيث وُلدوا من أب واحد ، وهم على كثرتهم متفاوتون . { إن في ذلك لآيات للعالمين } بفتح اللام وكسره . ويشهد للكسر قوله تعالى : { وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } [ العنكبوت : 43 ] . قال القشيري : واختصاص كلِّ شيء من هذه ببعض جائزات حكمها شاهدٌ عَدْلٍ ، ودليلٌ صِدْقٍ ، يناجي أفكار المستيقظين ، وتنادي على أنفسها : أنها ، بأجمعها ، بتقدير العزيز العليم . هـ . { ومن آياته منامُكُم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله } ، أي منامكم بالليل ، وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، أو : منامكم في الزمانين ، وابتغاؤكم من فضله فيهما ، وهو حسن لأنه إذا طال النهار يقع النوم فيه ، وإذا طال الليل يقع الابتغاء فيه . { إِن في ذلك لآياتٍ لقوم يسمعون } سماع تدبر ، بآذان واعية . قال القشيري : غَلَبةُ النوم لصاحبه من غير اختيار ، وانتباهُه بلا اكتساب ، يدلُّ على موته ثم بَعْثِهِ ، ثم في حال منامه يرى ما يسرُّه وما يضرُّه يدل على حاله في قبره . الله أعلمُ كيف حاله ، في أمره ، فيما يلقاه من خيره وشره . هـ . { ومن آياته يُريكُمُ البرقَ خوفاً وطمعاً } ، أي : خوفاً من الصواعق ، وطمعاً في الغيث ، أو : خوفاً للمسافر وطمعاً للحاضر ، { ويُنزّل من السماء ماءً } مطراً { فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } : يتفكرون بعقولهم . { ومن آياته أن تقومَ السماءُ } بغير عمد { والأرضُ } على ماء جماد { بأمره } أي : بإقامته ، أو تدبيره وقدرته . { ثم إذا دعاكم } للبعث { دعوةً من الأرض إذا أنتم تخرجون } من قبوركم . وسبك الآية : ومن آياته قيام السماوات والأرض ، واستمساكها بغير عمد ، ثم إذا دعاكم دعوة واحدة ، يا أهل القبور ، خرجتم بسرعة . وإنما عطف هذا بثم بياناً لعِظَم ما يكون من ذلك الأمر ، وإظهار اقتداره على مثله ، وهو أن يقول : يا أهل القبور ، قوموا ، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر ، كقوله : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] . تنبيه : عبّر عن مودة الزوجين بيتكفرون لأن المودة قلبية ، لا تُدْرَكُ إلا بتفكر القلب ، وعبّر عن خلق السموات والأرض واختلاف الألسن والألوان بالعالِمين لأن أمر ذلك يدركه كل أحد ، ممن له عقل أو علم ، وعبّر عن النوم واليقظة بيسمعون لأن من كان في الغفلة لا يسمع أمثال هذه المواعظ ، وإنما يسمعها مَنْ كان متيقظاً ، وعبّر عن إظهار البرق ، وإنزال المطر ، وإحياء الأرض ، بيعقلون لأن أمر البرق وما معه يبصره كل من له مسكةٌ عن عقل سليم ، ويعلم أنه من الله بلا واسطة . والله تعالى أعلم . الإشارة : ما نُصِبَتْ هذه الكائنات لتراها ، بل لترى فيها مولاها ، فما هذه الأكوان الحسية إلا تجليات من تجليات الحق ، ومظاهر من مظاهره ، وأنوار من أنوار ملكوته ، متدفقة من بحر جبروته . كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان . لكن لا يعرف هذا إلا العارفون بالله ، وأما غيرهم فحسبهم أن يستدلوا على عظمة خالقها ، وباهر قدرته وحكمته ، فيقوي إيمانهم ويشتد إيقانهم . قال في الإحياء : وبحر المعرفة لا ساحل له ، والإحاطة بكنْه جلال الله محال ، وكلما كثرت المعرفة بالله سبحانه ، وبأفعال مملكته ، وأسرار مملكته ، وقويت ، كثر النعيم في الآخرة وعَظُم ، كما أنه كلما كثر البذر وحَسُن كثر الزعر وحَسُن ، وقال أيضاً ، في كتاب شرح عجائب القلب : ويكون سعة ملك العبد في الجنة بحسب سعة معرفته بالله ، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله سبحانه ، ومن صفاته وأفعاله . هـ . ومن آياته خلق سماوات أرواحكم ، وأرض نفوسكم ، لتقوم الأرواح بشهود عظمة الربوبية ، والنفوس بآداب العبودية ، واختلاف ألسنتكم فبعضها لا تتكلم إلا في الفَرْق ، وبعضها إلا في الجمع . وألوانكم بعضها طهر فيها سيما العارفين وبهجة المحبين وبعضها لم يظهر عليها شيء من ذلك . ومن آياته منامكم في ليل الغفلة والبطالة ، وَقْتَ غفلَتِكُمْ ، وابتغاؤكم من فضله بزيادة معرفته وَقْتَ يقظتِكُمْ . ومن آياته يُريكم البرق ، أي : يُلْمِعُ عليكم أسرَار المعاني ، ثم تخفى عند الاستشراف على بحر الحقيقة ، خوفاً من الاصطلام والرجوع ، وطمعاً في الوصول والتمكين . ومن آياته أن تقوم الأشياء به وبأسرار ذاته ، ثم إذا دعاكم دعوة من أرض القطيعة إذا أنتم تخرجون ، فتعرجون بأرواحكم إلى سماء وصْلته وتمكن معرفته . والله تعالى أعلم . ثم برهن على كمال ملكه وعظمته ، فقال : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ … }