Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 20-21)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { ومن آياته } الدالة على قدرته ، الشاملة للبعث وغيره : أو : ومن علامات ربوبيته : { أن خلقكم } أي : أباكم { من ترابٍ } لأن أصل الإنشاء منه ، { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } أي : ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين في الأرض ، آدم وذريته . { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها } لأن حواء خُلقت من ضلع آدم ، والنساء بعدها خُلقن من أصلاب الرجال . أو : من شكل أنفسكم وجنسها ، لا مِنْ جنس آخر ، وذلك لما بين الاثنين - إِذْ كَانَا من جنس واحد - من الألفة والمودة والسكون ، وما بين الجنسين المختلفين من التنافر . ويقال سكن إليه : إذا مال إليه . { وجعل بينكم مودة ورحمة } أي : جعل بينكم التوادد والتراحم بسبب الزواج . وعن الحسن : المودة كناية عن الجماع ، والرحمة هي الولد . وقيل المودة للشابة الجميلة ، والرحمة للعجوز ، وقيل : المودة والرحمة من الله ، والفَرْك من الشيطان - أي : البغض من الجانبين . { إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون } فيعلمون ما في ذلك من الحِكم ، وأن قوام الدنيا بوجود التناسل . الإشارة : أصل النشأة البشرية من الطين ، وأصل الروح من نور رب العالمين . فإذا غلبت الطينة على الروح جذبتها إلى عالم الطين ، فكان همها الطين ، وهوت إلى أسفل سافلين ، فلا تجد فكرتها وحديثها ، في الغالب ، إلا في عالم الحس ، ويكون عملها كله عَمَلَ الجوارح ، يفنى بفنائها . وإذا غلبت الروح على الطينة وذلك بدخول مقام الفناء ، حتى تستولي المعاني على الحسيات . وتنخنس البشرية تحت سلطان أنوار الحقيقة ، جذبتها إلى عالم الأنوار والأسرار ، فلا تجد فكرتها إلا في أنوار التوحيد وأسرار التفريد ، وعملها كله قلبي وسري . بين فكرة واعتبار ، وشهود واستبصار ، يبقى مع الروح ببقائها ، يجري عليها بعد موت البشرية ، ويبعث معها ، كما تقدم في الحديث : " يموت المرء … " إلخ . قال القشيري : يقال : الأصل تُربة ، ولكن العِبرَة بالتربية لا بالتربة . هـ . قلت : إذ بالتربية تغلب الروح على البشرية ، ثم قال : اصطفى الكعبة ، فهي خير من الجنة ، مع أن الجنة جواهر ويواقيت ، والكعبة حجر ومدر ، أي : كذلك المؤمن الكامل ، وإن كان أصله من الطين ، فهو أفضل من كثير العوالم اللطيفة . ثم قال في قوله تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً } الآية : رَدَّ المِثْلَ إلى المِثْل ، وربط الشكلَ بالشكل ، وجعل سكونَ البعض إلى البعضِ ، وذلك للأشباح والصُّورَ ، والأرواح صحِبت الأشباح كرهاً لا طوعاً ، وأما الأسرار فمُعْتَقَةٌ ، لا تساكن الأطلال ، ولا تتدنس بالأغيار . هـ . قلت : وكأنه يشير إلى أن المودة التي انعقدت بين الزوجين إنما هي نفسية ، لا روحانية ، ولا سرية إذ الروح والسر لا يتصور منها ميل إلى غير أسرار الذات العلية إذ محبة الحق ، جذبتها عن الميل إلى شيء من السّوى . واختلف الصوفية : هل تُخِلُّ هذه المودة بين الزوجين يمحية الحق أم لا ؟ فقال سهل رضي الله عنه : لا تضر الروح لقوله صلى الله عليه وسلم : " حُبب إلي َّمن دنياكم ثلاث … " فذكر النساء إذا كان على وجه الشفقة والرحمة ، لا على غلبة الشهوة . وعلامة محبة الشفقة : أنه لا يتغير عند فَقْدها ، ولا يحزن بفواتها . وهذا هو الصحيح . والله تعالى أعلم .