Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 33-36)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : إِذَا هُمْ : جواب إن . وإذا الفجائية ، تَخْلُفُ الفاء ، لتآخيهما في التعقيب . يقول الحق جل جلاله : { وإِِذا مَسَّ الناسَ ضُرُّ } كمرض ، وفقر ، وشدة ، أو غير ذلك ، { دَعَوا ربهم منيبين } راجعين { إليه } من دعاء غيره . { ثم إذا أذاقهم منه رحمةً } خلاصاً من الشدة { إذا فريق منهم بربهم يُشركون } شركاً جلياً أو خفياً ، أي فاجأ بعضهم الإشراك بربهم الذي عافاهم ، { ليكفروا } إما : لام كي ، أو : لام الأمر للوعيد والتهديد ، أي : أشركوا كي يكفروا { بما آتيناهم } من النعم ، التي من جملتها : نجاتهم وخلاصهم من كل شدة ، { فتمتعوا } بكفركم قليلاً أمر تهديد ، { فسوف تعلمون } وبال تمتعكم . { أم أنزلنا عليهم سلطاناً } حجّة على عبادة أصنامهم ، { فهو يتكلمُ } ، وتكلمه مجاز ، كما تقول : كتابه ناطق بكذا ، وهذا مما نطق به القرآن ، ومعناه : الشهادة ، كأنه قال : يشهد بصحة ما { كانوا به يشركون } ، فما : مصدرية ، أي : بصحة كونهم بالله يشركون ، أو : موصولة ، أي : بالأمر الذي بسببه يشركون . { وإِذا أذقنا الناسَ رحمةً } أي : نعمة من مطر ، أو : سعة رزق ، أو : صحة ، { فَرِحُوا بها } فرح بَطَرَ وافتخار وغفلة . { وإن تُصبهم سيئة } بلاء من جدب ، أو ضيق ، أو مرض ، { بما } بسبب ما { قدمتْ أيديهم } من المعاصي ، أي : بشؤمها ، { إِذا هم يَقْنَطُون } ييأسون من رحمة الله ، وفرجِهِ بعد عسره . يقال : قَنِطَ يَقْنَطُ ، كفرح يفرح ، وكعلم . الإشارة : الواجب على المؤمنين أن يختلفوا بضد ما تخلق به الكافرون ، فإذا مسهم ضر أو شدة ، توجهوا إلى الله ، إما بالتضرع والابتهال عبودية ، منتظرين ما يفعل الله ، وإما بالصبر ، والرضا ، والسكون تحت مجاري الأقدار . فإذا جاء الفرج والنعمة شكروا الله وحمدوه ، ونسبوا الفرج إليه وحده ، فإن كان وقع منهم سبب شرعي لم يلتفتوا إليه قط إذ لا تأثير له أصلاً ، وإنما الفرج عنده لا به ، فلا يقولوا : فلان ولا فلانة ، وإنما الفاعل هو الله الواحد القهار . وهذا الشرك الخفي مما ابتلى به كثير من الناس ، علماء وصالحين ، وخصوصاً منهم من يتعاطى كتب الفلسفة ، كالأطباء وغيرهم ، إذا أصابهم شيء فزعوا ، فإذا فَرَّجَ عنهم قالوا : فلان داوانا ، وفلان فرَّج عنا ، والدواء الفلاني هو شفاني ، فتعالى الله عما يشكرون . فليشدّ العبدُ يده على التوحيد ، ولا يرى في الوجود إلا الفرد الصمد ، الفعّال لما يريد . ومن أوصاف أهل الغفلة : أنهم ، إذا أصابتهم نعمة ، فرحوا وافتخروا بها ، وإذا أصابتهم شدة قنطوا وأيسوا من روح الله ، والواجب : ألا يفرح بما هو عارض فانٍ ، ولا ييأس من روح الله عند الشدة ، بل ينتظر من الله الفرج ، فإنَّ مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسرا . قال تعالى : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } [ الحديد : 22 - 23 ] الآية . وبالله التوفيق . ثم برهن على توالي النعم والمحن على العبد ، ما دام في دار الدنيا ، فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ … }