Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 46-46)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : وليذيقكم : عطف على مبشرات على المعنى ، كأنه قيل : لتبشركم وليذيقكم ، أو : على محذوف ، أي : ليغيثكم وليذيقكم . يقول الحق جل جلاله : { ومن آياته } الدالة على كمال قدرته : { أن يُرسلَ الرياحَ } ، وهي الجَنُوبُ ، والصَّبا ، والشمال والدَّبُورُ ، فالثلاث : رياح الرحمة ، والدبور : ريحُ العذاب ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " اللهم اجعلها رياحاً ، ولا تجعلها ريحاً " وقال : " نُصرْتُ بالصِّبَا ، وأُهْلِكتَ عادٌ بالدَّبُورُ " ، وهي الريح العقيم . وقرأ ابن كثير والأَخَوان : بالإفراد ، على إرادة الجنس . ثم ذكر فوائد إرسالها بقوله : { مبشرات } أي : أرسلها بالبشارة بالغيب { وليُذِيقَكُم من رحمته } ولإذاقة الرحمة ، وهي نزول المطر ، وحصول الخصب الذي يتبعه ، والرّوح الذي مع هبوب الريح ، وزكاء الأرض ، أي : ربوها وزيادتها بالنبات ، وغير ذلك من منافع الرياح والأمطار . قال الحسن : لو أمسك الله عن أهل الأرض الريح ساعة لَمَاتُوا غَمَّا . { ولِتجريَ الفلكُ } في البحر عند هبوبها { بأمره } بتدبيره ، أو بتكوينه ، لقوله : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً … } [ يس : 82 ] الآية . قيل : إنما زاد بأمره لأنها قد تهب غير مُوَاتِيَةٍ ، فتُغرق ، وهي عند أمره أيضاً ، فهي على حسب أمره ، ولأن الإسناد وقع للفلك مجازاً ، فأخبر أنه بأمره ، { ولتبتغوا من فضله } ، يريد به تجارة البحر ، { ولعلكم تشكرون } هذه النعم فيزيدكم من فضله . الإشارة : ومن آياتِ فَتْحِهِ على أوليائه : أن يرسل رياح الهداية أولاً ، ثم رياح التأييد ، ثم رياح الواردات ، تحمل هدايا التَّعَرُّفَاتِ ، مبشرات بالفتح الكبير ، والتمكين في شهود العلي الكبير ، وليذيقكم من رحمته ، وهي حلاوة معرفته ، ولتجريَ سفن الأفكار في ميادين بحار توحيده ، ولتبتغوا من فضله ، هو الترقي في الكشوفات والعلوم والأسرار ، أبداً سرمداً ، ولعلكم تشكرون بالقيام برسوم الشريعة وآداب العبودية . قال القشيري : يرسل رياحَ الرجاءِ على قلوب العُبَّاد ، فتكنس قلوبهم من غبار الحسد وغُثَاء النفس ، ثم يرسل عليها أمطار التوفيق ، فتحملهم إلى بساط الجُهْدِ ، وتكرمهم بقوى النشاط . ويرسل رياحَ البَسْطِ على أرواح الأولياء فتطهرها من وَحْشَةِ القبض ، وتنشر فيه لذاذات الوصال ، ويرسل رياحَ التوحيد فتهب على أسرار الأصفياء ، فتطهرها من آثار الأغيار ، وتبشرها بدوام الوصال ، فذلك ارتياحٌ به ، ولكن بعد اجتناحٍ عنك . هـ . أي : بعد ذهابٍ عنك وزوال . والله تعالى أعلم . ثم سلى نبيه بمن قبله ، فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ … }