Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 51-53)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : اجتمع القسم والشرط ، فذكر جواب القسم وأغنى عن جواب الشرط . والضمير في رأوه : يعود على النبات المفهوم مما تقدم من أحياء الأرض ، أو : على السحاب . يقول الحق جل جلاله : { و } الله { لئن أرسلنا ريحاً } عاصفة على ما نبت في الأرض من الزروع وسائر الأشجار ، الذي هو أثر رحمة الله ، { فَرَأَوْه } أي : ما نبت في الأرض ، { مُصْفَرّاً } يابساً { لظلُّوا } أي : ليظلون { من بعده } أي من بعد اصفراره { يكفرون } ، ويقولون : ما رأينا خيراً قط ، فينسون النعم السابقة بالنقم اللاحقة . وهذه صفة أهل الغفلة ، وأما أهل اليقظة فيشكرون في أوقات النعم ، ويصبرون ويرضون في أوقات النقم ، وينتظرون الفرح بعد الشدة ، واليسر بعد العسر ، غير قَانِطِينَ ولا ضَجِرين . أو : ولئن أرسلنا ريحاً لتعذيبهم ، فرأوا سحابة صفراء ، لأنَّ اصفراره علامة على أنه لا مطر فيه ، لظلوا ، أي : للجوا من بعد ذلك على كفرهم وطغيانهم ، لانهماكهم . قال البيضاوي : وهذه الآية ناعية على الكفار ، لقلة تثبيتهم ، وعدم تدبرهم ، وسرعة تزلزلهم ، لعدم تفكرهم ، وسوء رأيهم ، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ، ويلتجئوا إليه بالاستغفار ، إذا احتبس القطر عنهم ، ولا ييأسوا من رحمته ، وأن يبادروا إلى الشكر واستدامة الطاعة ، إذا أصابهم برحمته ولم يبطروا بالاستبشار ، وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زروعهم بالاصفرار ، ولم يكفروا نعمه . هـ . قال النسفي : ذمهم الله تعالى بأنهم ، إذا حبس عنهم المطر ، قنطوا من رحمته ، وضربوا أذقانهم على صدورهم ، مبلسين ، فإذا أصابهم برحمته ، ورزقهم المطر ، استبشروا ، فإذا أرسل الله ريحاً فضرب زروعهم بالصفار ضجّوا ، وكفروا بنعمه ، وهم في جميع هذه الأحوال على صفة مذمومة ، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله . فقنطوا ، وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها صفة مذمومة ، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله ، فقنطوا ، وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ، ففرحوا وبطروا ، وأن يصبروا على بلائه ، فكفروا . هـ . وهذه حال من مات قلبه ، قال تعالى : { فإنك لا تُسمع الموتى } أي : موتى القلوب ، وهؤلاء في حكم الموتى فلا تطمع أن يقبلوا منك ، { ولا تُسمع الصمَّ الدعاءَ } أي : لا تقدر أن تُسْمِعَ من كان كالأصم دعاءك إلى الله ، او : لا يقدرون أن يسمعوا منك ، { إِذا ولوا مدبرين } ، فإن قلت : الأصم لا يسمع مقبلاً أو مدبراً ، فما فائدة التخصيص ؟ قلت : هو إذا كان مُقبلاً يفهم بالرمز والإشارة ، فإذا ولّى فلا يفهم ، ولا يسمع ، فيتعذر إسماعه بالكلية . قاله النسفي . { وما أنت بهادِ العُمي } أي : عُمْي القلوب . وقرأ حمزة : " ومات أنت تهدي العمي " ، { عن ضلالتهم } أي : لا تقدر أن تهدي الأعمى عن طريقه إذا ضلّ عنه ، بالإشارة إليه ، { إنْ } ما { تُسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون } منقادون لأوامر الله ونواهيه . الإشارة : من أصول طريقة التصوف : الرجوع إلى الله في السراء والضراء ، فالرجوع في السراء : بالحمد والشكر ، وفي الضراء : بالرضا والصبر . قال القشيري : { فإنك لا تُسمع الموتى … } إلخ : مَنْ فَقَدَ الحياةَ الأصلية لم يَعِشْ بالرُّقَى والتمائم وإذا كان في السريرة طَرَشٌ عن سماء الحقائق ، فَسَمْعُ الظواهر لا يفيد إلا تأكيد الحُجَّة ، وكما لم يُسمع الصمّ الدعاء ، فكذلك لا يمكنه أن يهدي العُمْيَ عن ضلالتهم . هـ . ولما ذكر شيئاً من دلائل الأكوان ، ذكر شيئاً من دلائل الأنفس ، فقال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ … }