Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 54-54)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : " الله " : مبتدأ ، والموصول : خبره . يقول الحق جل جلاله : { الله } الذي يستحق ان يعبد وحده هو { الذي خلقكم من ضَعْف } أي : ابتدأكم ضُعفاء ، وجعل الضعف أساس أمركم ، أو : خلقكم من أصل ضعيف ، وهو النطفة كقوله : { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ المرسلات : 20 ] ، { ثم جعل من بعد ضعف قوةً } ، يعني : حال الشباب إلى بلوغ الأشد ، { ثم جعل من بعد قوةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً } ، يعني : حال الشيخوخة والهرم . وقد ورد في الشيب ما يسلي عن روعة هجومه فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " من شاب شيبة الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة " ، ولما رأى إبراهيم عليه السلام الشيب في لحيته قال : يارب ، ما هذا ؟ قال : هذا وقار . وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : " يا داود ، إني لأنظر الشيخ الكبير ، مساء وصباحاً ، فأقول له : عبدي ، كَبِرَ سِنُّكَ ، ورق جلدك ، ووهن عظمك ، وحان قدومك عليّ ، فاستحي مني ، فإني أستحيي أن أُعذب شَيْبَةًً بالنار " . ومن المُسْتَمْلَحَات ، مما يسلي عن رَوْعِ الشيب ، ما أنشد القائل : @ لاَ يَرُوعُكِ الشِّيبُ يَا بِنْتَ عَبْدِ الله ، فالشَّيبُ حُلْة وَوَقاَرُ إِنَّمَا تَحْسُنُ الرِّيَاضُ إِذَا مَـ ـا ضَحِكَتْ في خِلاَلِهَا الأَزْهَارُ @@ ثم قال تعالى : { يخلق ما يشاء } مِنْ ضعفٍ وقوةٍ ، وشباب وشيبة ، { وهو العليمُ } بأحوالهم ، { القديرُ } على تدبيرهم فيصيرهم إلى ذلك . والترديد في الأحوال أبين دليل على وجود الصانع العليم القدير . وفي " الضعف " : لغتان الفتح والضم . وهو أقوى سنداً في القراءة ، كما روي ابن عمر . قال : قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ضَعف " فأقرأني : " من ضُعْفٍ " . الإشارة : إذا كُثف الحجاب على الروح ، وكثرت همومها ، أسرع لها الضعف والهرم ، وإذا رقّ حجابها وقلّت همومها قويت ونشطت بعْد هرمها ، ولا شك أن توالي الهموم والأحزان يهرم ، وتوالي البسط والفرح ينشط ، ويرد الشباب من غير إِبَّانِهِ والعارفون : فرحهم بالله دائم ، وبسطهم لازم إذ لا تنزل بساحتهم الهموم والأحزان وإنما تنزل بمن فقد الشهود والعيان ، كما قال في الحكم . قال القشيري : { خلقكم من ضعف } ، أي : ضعف عن حال الخاصة ، ثم جعل من بعد ضعف قوة بالوصول إلى شهود الوجود القديم ، ثم من بعد قوة ضعفاً بالرجوع إلى المسكنة أي : في حال البقاء ، قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين " هـ . ثم ذكر أهوال البعث ، فقال : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ … }