Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { هُدىً ورحمةً } : حالان من الآيات ، والعامل : معنى الإشارة . ورفعمها حمزة على الخبر لتلك بعد خبر ، أو : خبر عن محذوف ، أي : هو ، أو : هي هُدى . والموصول : نعت للمحسنين تفسير لإحسانهم ، وهم : مبتدأ ، ويُوقنون : خبر . وتكريره الضمير للتوكيد ، ولِمَا حيل بينه وبين خبره . يقول الحق جل جلاله : { الۤـم } أيها المصطفى المقرب ، { تلك } الآيات التي تتلوها هي { آياتُ الكتابِ الحكيم } أي : ذي الحكمة البالغة ، أو : الذي أُحكمت آياته وأُتقنت ، أو : المحكَم الذي لا ينسخه كتاب . أو : المصون من التغيير والتبديل . حال كونه { هُدىً ورحمةً } هادياً لظواهرهم بتبيين الشرائع ، ورحمة لقلوبهم بتبين حقائق الإيمان ، ولأرواحهم بإظهار حقائق الإحسان . وقد تقدم هذا البيان في قوله : { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ } [ المائدة : 93 ] الآية . ولذلك خصه بقوله : { للمحسنين } ، فإنما يكون هدى ورحمة لأهل الإحسان لأنهم هم الذين يغوصون على أسراره ومعانيه . وهم { الذين يقيمون الصلاة } يتقنونها ، { ويؤتون الزكاة } على الوجه المشروع ، ويدفعونها لمن يستحقها ، لا جزاءً ولا شكوراً ، ولا لجلب نفع أو دفع شر ، { وهم بالآخرة هم يوقنون } ، كأنها نُصْبَ أعينهم . وخص بالذكر هذه الثلاثة لفضلها فإن الصلاة عماد الدين ، والزكاة قرينتها لأن الأولى عبادة بدنية ، والثانية مالية ، والآخرة هي دار الجزاء ، فلولا وقوعها لكان وجود هذا الخلق عبثاً ، وتعالى الله عنه علواً كبيراً . ثم مدح المتصف بتلك الخصال فقال : { أولئك على هُدىً من ربهم } أي : راكبون على متن الهداية ، متمكنون منها ، { وأولئك هم المفلحون } ، الفائزون بكل مطلوب . الإشارة : قال القشيري : { الۤـم } ، الألف إشارة إلى آلائه ، واللام إلى لطفه ، والميم إلى مجده وسنائه ، فبآلائه دفع الجَحْدَ عن قلوب أوليائه ، وبلطف عطائه أثبت المحبةَ في أسرار أصفيائه ، وبمجده وسنائه هو مستغنٍ عن جميع خَلْقِه بوصف كبريائه . هـ . ثم وصف كتابه بأنه هاد للسائرين ، رحمة للواصلين إذ لاتكمل الرحمة إلا بشهود الحبيب ، يكلمك ويناجيك ، وهذه حالة أهل مقام الإحسان . قال القشيري : وشَرْطُ المحْسِنِ أن يكون محسناً إلى عباد الله : دانيهم وقاصيهم ، مطيعِهم وعاصيهم . ثم قال : { الذين يُقيمون الصلاة } يأتون بشرائطها في الظاهر - ثم ذكرها - ، وفي الباطن يأتون بشروطها من طهارة السَّرَّ عن العلائق ، وسَتْرِ عورة الباطن ، بتنقيته من العيوب لأن ما كان فيه فالله يراه . فإذا أرَدْتَ أن لا يرى اللهُ عيوبَك فاحْذَرْها حتى لا تكون . والوقوف على مكان طاهر : هو وقوف القلب على الحدِّ الذي أُذن فيه ، مما لا يكون فيه دعوى بلا تحقيق ، بل رَحِمَ الله مَن وقف عند حدِّه بالمعرفة بالوقت ، فيعلم وقت التذلُّل والاستكانة ويميز بينه وبين وقت السرور والبسط ، ويستقبل القبلة بَنْفسِه ، ويعلق قلبه بالله ، من غير تخصيص بقطْرِِ أو مكان { أولئك على هدى من ربهم } وهم الذين اهتدوا في الدنيا ، وسَلِموا ونَجوْا في العُقْبَى . هـ . ثم شفع بضلّهم فقال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي … }